الصفحة الرئيسية / نصوص / شهادات / أنا من جيل تاني

أنا من جيل تاني

باسمة الجزائري

 

من جيل بيعرف كل بيت فيه شو طابخين كل الجيران
هاد البيت عم يقلي بيتنجان، هاد البيت طابخ ملوخية
ريحة الخيار يعني سلطة.. السمك شارح حالو لحالو
ودبح البطيخة فضيحة بتوصل ريحتها لباب الحارة

أنا من جيل كل قمرة فيه بالصيف يعني سيران
وكل مطرة فيه يعني سهرة
كل عرس يعني إيمع “بوظة”
وكل كتاب يعني ملبس
من جيل “بتغسل فيه وشك لأنك ما بتعرف مين بيبوسو، وبتكنس بيتك لأنك ما بتعرف مين بيدوسو”
جيل “جارك أخاك.. إذا ما شاف وشك بيشوف قفاك”
من جيل لما بيندق فيه الباب بنتحزر وبنقول: يا ترى مين إجانا؟
هي نقرة الجارة.. سريعة وقصيرة، هي دقة عمتي، ناعمة ولطيفة
هي خبطة ابن الجيران ببوز صباطه، وهي خشخشة المفاتيح وبابا عم ينادي: يالله .. ليتغطوا الحريم الغرب

أنا من جيل بذر البطيخ المغسول والمنشف بالمصافي بالشمس بالنهار، وعم ينط ويقمز بالمقلاية بالليل
جيل الرز يللي بيلمع، والسمن يللي بينطش، والزيت يللي بينفقس، والفول الغرقان لأدانه
جيل الصفيحة المقمرة.. والخبزة المقمرة.. والكعكة المقمرة.. والبرازق المقمرة

أنا من جيل رقصة ستي، والنقر على تنكة السمنة الفاضية
من جيل الأساور الرفيعة والمبرومة والحية
جيل كاسات الليمون الجامد، وأسكا أمية، و”القاظوظة” الأورانجو
جيل الفول المقلى كل أيام الفول، والمدمس كل أيام الجمعة، والتسقية كل أيام رمضان

بجيلي كانوا التلفزيونات بحارات الشام ينعدوا عالأصابع
وسهرة الفيلم العربي يوم الجمعة تلمّ ناس ليتعبى المربع بالشتوية أو أرض الديار بالصيفية
جيل كل شي بيصير فيه بيستاهل يكون خبرية
ولدت القطة، فتحت الفلة، نزلت العوجة، فتح زهر الغوطة، تعبى بردى
جيل حتى حبال الغسيل فيه بتحكي قصص، ولقاطات الغسيل بتنقل رسائل الغرام، ونشر الغسيل له أصول

بجيلي كانت الست تقول: “لو كانت أسوارتي وقيّة ما لي عن جارتي غنيّة”
بيت الجيران أول باب بيندق لما بيخلص الخبز على غفلة، ولما ما بيلتقى ليمونة
بيت الجيران مصدر قالب البوظ بالصيف لما بيجوا الضيوف فجأة ببيت ما فيه براد، ولازم الضيوف يشربوا التوت الشامي بكاسات عرقانة
بيت الجيران أول بيت بنزوره بالعيد لناخد أول عيدية
والبيت يللي بندق على سقاطته وبنهرب
وبنرش عتبته بالمي لما بندير النربيش لنرش الحارة بالصيف
والبيت يللي كل مغرب برمضان بنوقف قدامه لنوصل سكبة اليوم

بجيلي ما فيه قطة شارع جوعانة.. وكلاب الشوارع شبعانة
بكل منور ستيتية مكلتمة مستتة، بتعطي رأيها بالسيرة من السقف بلا ما حدا يسألها
وبكل أرض ديار بحرة ونافورة وياسمينة ودالية وكبادة ونارنجة
بكل مطبخ قطرميز مكدوس وتنكة جبنة ونملية
وبكل حارة مجنون حواليه ولاد، ولكل منطقة “تربة” بتعيش فيها الأشباح والجن والحكايا
بكل خرابة حية مع ولادها، بنحلّ مشكلتنا معها بكلمتين: “لا بتآذينا ولا بنآذيكي”
وبكل راس حارة فيجة باردة وكيلة مربوطة بسلسلة

بكل حارة حمار جارر عرباية وتارك وراه توقيعه عالأرض بالشكل والريحة
وبكل زاوية حجار كلسية بنرسم فيها عالأرض باريز وبنلعب بالزحطة
بكل بيت عيلة، وبكل عيلة ألف قصة وقصة، حماية وكنة، سلفة وبنت احمى، ضرة ومرة أب

أنا من الجيل يلي بتنام فيه بكير وبتفيق بكير، والتلفزيون دهشة متجددة، وبرامج الأطفال نص ساعة بس باليوم
من جيل بيفتح الراديو طول النهار وبيستنى لتمرق الغنية الحلوة
جيلي كان يسمع حفلات أضواء المدينة من راديو صوت العرب، ويعرف شو لبست أم كلثوم بالتفصيل من مذيع الحفلة
جيلي كان يسمع الصغير فيه كلمة الكبير، وياكل بالخبزة وما ياكل حاف، وياكل باليمين “نونة نونة”، وما يفتح المقص، ولا يقلب الشحاطة، ولا يسكب مي غليانة بالبلوعة

جيلي بياخد 10 قروش خرجية وبيفرح فيها كأنه ملك خزائن قارون
جيل الراحة والبسكوت، والسمنة والسكر، والزيت والزعتر، والزبدة والمعقود
جيل قباقيب السكر، والحيايا، والنعومة، والقضامة المكسرة، والمطعّم، والمصاصة يلي بتصفّر
جيل دقة ملح الليمون مع النعنع، ومرقة مخلل اللفت، والزعبوب “البذر بن”
جيل بيجيب فيه كل حجي معه من الحج تلفزيونات صغيرة ملونة للولاد، فيها صور الكعبة الشريفة ومناسك الحج، وبيجيب مية زمزم، وتمر، وقطعة من تراب مكة على شكل نجاصة نلحسها لننجح بالمدرسة
أنا من جيل طاسة الرعبة، وقمقم المازهر، وجرن الكبة، ومطحنة البن، وإبريق الشاي الخمير المغطى ببشكير

من جيل لوح المدرسة الصغير الأسود بالشنتة الجلد، وقلم اللوح الصابون، والسفنجة المبلولة بالمي
من جيل المحسب الملون، وجزء (عمّ)، ونشيد (كلبي كلبي.. يمشي جنبي)
جيل المعجون، وورق الأشغال، ودفتر الرسم بوراقو الملزقة من الصمغ
جيل قراءة دادا وقراءة فولاذ، ويا بوران قولي عاش بابا
جيل الرحلاية، والفوداس، والجلاء، والفرصة، والجرس النحاس، والمسطرة الخشب يللي بتنزل على كفوفنا لأقل سبب
جيل الصدرية الخاكي، والقبة والشريطة، والمحرمة القماش المطرزة بالجيبة
جيل المديرة البعبع، والمحافظة الحبابة، والعريفة اللئيمة، و”الآنسة” أجمل وألطف ما خلق الله وصاحبة الكلام المنزل من السماء

جيلي جيل “بأيدينا للقدس سلام آآآآآآآآآآآت”
جيل “تعيشي يا بلدي يا بلدي تعيشي”
جيل “يا ابني بلادك قلبك اعطيها”
جيل “شام يا ذا السيف لم يغب”،
جيل” بلاد العرب أوطاني”،
جيل “حماة الديار عليكم سلام.. أبت أن تذل نفوس الكرام”.. يا كراااام

جيلي هو الجيل اللي صدق كذب الإعلام العربي في النكسة، وآمن بالنصر الجاية
هو الجيل يلي بيعرف صوت زمور الخطر، واختراق حاجز الصوت، وتنييل الزجاج
الجيل يلي يدعي من قلبه لجيشه، وبكي لما سمع أنو تحررت القنيطرة
جيل “ألف حبل مشنقة ولا يقولو بو عمر خاين يا خديجة”

جيلي هو الجيل اللي كان يتبرع بخرجيته للمجهود الحربي، ويرسم بدفاتر الرسم معارك عربية منتصرة.
جيلي المسكين
هو الجيل المبتلى بالآمال العريضة
والخيبات الكبيرة
والهزائم المتتالية
جيل الاغتراب
والهجرة
والنفس العزيزة المكسورة

هاد هو جيلي، وهي هيه شامي
راحت هيه من الواقع وتخبت بالذاكرة
لكن، لا أنا تركت الشام ولا الشام تركتني
ولا هي رجعت، ولا كمان أنا راجعة.

عن باسمة الجزائري

باسمة الجزائري
مواليد دمشق 1960، ليسانس صحافة و أدب إنكليزي