الصفحة الرئيسية / تجريب / حفلات استقبال – النسخة السورية
خيمة انتخابية في السويداء
خيمة انتخابية في السويداء

حفلات استقبال – النسخة السورية

ع. س.
 

السويداء المدينة ـ مشهد على الطريق من دائرة المالية إلى خيمة الثوابت الوطنية شرقي ساحة تشرين.

موكبٌ من حوالي أربعين موظفاً، 25 رجلا وخلفهم بأمتار حوالي 15 امرأة. يسيرون بوجوه غائبة. خطواتهم بطيئة، أقرب إلى الكسل أو إلى حالة مرضٍ جماعيّ مبهم. خمسة من الرجال يختلفون عن الباقين، يسيرون أمامهم بحماس كما يجدر برؤساء الأقسام المهمة في المالية، وجوههم متوهجة وأقرب إلى الفخر. يتحدثون بصوت عادي عن أشغالٍ لا تبدو مهمة. أوسطهم يحمل صورة حافظ الأسد. وهؤلاء من غير أن يقصدوا كانوا يتقدمون بمترين أو ثلاثة عن باقي الموظفين.

أحد رجال الصف الثاني كان الوجوم يطغى على وجهه وكأنه يسير في المنام. بدا أنّ القرعة رست عليه بأن يحمل بيده اليسرى صورة بشار الأسد. الصورة مرتخيةٌ في يده، مائلة إلى الخلف توزّع نظراتها الأسدية الشهيرة على الموظفات السائرات خلفه، تتحرك النظرات مع ميلان يده التام إلى الخلف، وكأنه ينسى أنها يده، وأنها مؤتمنة على حمل هذا الرمز النادر. أما يده اليمنى فمشغولة بحمل سيجارته التي تدوخ بين فمه وبين جولان يده المتوترة هذه.

لم يكن يبدر عن هذا الصف أي صوت.

النساء في الخلف يسرن بثقل ربات البيوت اللواتي يضطررن مرة في الشهر مثلاً للذهاب إلى المؤسسة الاستهلاكية لشراء التموين. في يد إحداهن العلم السوري (أبو نجمتين). طريقة حملها إياه لا تُلمّح إلى أنها تدرك قيمة ما تحمل. فيدها اليسرى مشدودةٌ إلى رباط جزدانها المحمول على كتفها، واليمنى التي تحمل علم البلاد تنزلق باسترخاء تلقائي لتنكّس قماش العلم إلى الأسفل، وتبقى ساريته الخشبية الرفيعة منتصبة إلى الأعلى تنبثق من بين أصابعها الممسكة بها، وتلكز خاصرتها مع كل خطوة.

لم يكن الباقون يحملون أي شيء. جميعهم يبدون ماشين إلى طقسٍ غامضٍ، أو إلى مكان يستحون أن يراهم أحد ذاهبين إليه، ولا يبدو عليهم أنهم يستعجلون الوصول إليه ولا العودة إلى دائرتهم التي منها خرجوا .

بعد أن شُلعت الخيمة من أمام المحافظة، أقيمت بدلاً عنها في مدينة السويداء الآن خيمتان تشتغلان ليلا نهارا فقط. الأولى شرق ساحة تشرين، أمام مبنى الحزب القديم، والثانية أمام فرع الأمن العسكري في أول طريق المشفى. هناك قطع الطريق تماماً ودوماً، وأحدثت مكانه تحويلة تجعل من عبور السيارات عليها إلى طريق المشفى أو إلى كافة قرى المقرن القبلي عذاباً لا يوصف.

تم إيصال التيار الكهربائي الدائم إلى كل خيمة منهما عبر مولدة عالية الاستطاعة تكفي للإنارة المبهرة الثابتة والوامضة ولتشغيل مكبرات الصوت ليلا نهارا أيضا على وقع أغنيات بكلمات حديثة يلفت منها، إضافة إلى اسم بشار الذي يتردد على وقع كل تنفس، كلمات جديدة بل كانت حتى وقت قريب مستهجنة. تتردد خلالها كثيرا عبارة: (بحب البنت الشيعية)، أو (أسد القرداحة)، أو: (واااااااا علي)… يحضر إلى الخيمتين كل يوم شباب مراهقون، وصبايا ربما غريبات لأنه يصدف كثيراً أن لا يتعرف إليهن أحد. وهؤلاء يرقصون دوما بإخلاصٍ لافت. أما الموظفون الذين يساقون بالتناوب أيضا بين الدوائر فإنهم يحضرون خلال ساعات العمل نهاراً، يجلسون صامتين إلى أن يأمروهم بالمغادرة والعودة إلى عملهم، أو يأذنون لهم بإجازة لباقي النهار حيث يصرفونهم ليذهبوا طليقين من دون أن يحسب هذا اليوم من أيام إجازاتهم.

 

أكثر ما يبهر في بانوراما المشهد أمام كل خيمة على حدة أن الأضواء والأنغام والبهجة لا تنقطع عنهما في ساعات الليل الطويلة التي تكون المدينة خلالها غارقة في عتمة تامة. وأن كل نقابة تتولى بالدور وحسب أيام الأسبوع بإرسال الرسائل إلى أعضائها ليشاركوا في العرس الجماعي. هذا مثلاً نص رسالة نقابة الأطباء إلى أعضائها: (الزملاء الأطباء: تدعوكم النقابة للمشاركة مع النقابات المهنية في حفل الاستقبال اليوم السبت الساعة السابعة مساءً لدعم الثوابت الوطنية والانتخابات الرئاسية أمام شعبة المدينة ساحة تشرين)

 

19/5/2014

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.