Lazarides Rathbone
http://www.lazinc.com/about

لجوء

علي المصطفى

 

أمام المقهى الشعبي، واضعا ساقا على ساق، أمامي طاولة خشبية هرمة من طبقتين، عليها كأس من المتة، وهاتفي يرن بنزق:

– مررت بخيالي سرا اليوم
– أنا؟
– نعم
– من أنت؟
– ليلة البارحة، في الحانة …. أحبك.

كانت تجلس وحيدة على “البار”، بشعر كستنائي يمتد من رأس الرجاء الصالح إلى ما فوق الكتفين الضامرين، مرتدية كنزة صوفية حمراء ذات عنق طويل، جزمة جلدية سوداء حتى الركبة، ولاشيء آخر!

همست لي من بعيد:

– أحبك.

حاولت تفاديها، فكرت في الكثير من الأشياء: حبيبتي القديمة، كيماوي الغوطة، الششبرك، والدة صديقي التي كانت في ذات الخمارة، انتحار روبن ويليامز، فشلت ..!

حاولت أن أتخيل حوارا بيننا:

– مساء الخير
– أحبك
– سننتقل لهذا لاحقا، ما رأيك بسميح القاسم ومدحه لحافظ الأسد؟
– أحبك
– هل لديك إنستغرام؟ من الواضح أن لديك الكثير من الصور الجميلة لأراها .. عضت بأسنانها برقة على طرف شفتها السفلية، ثم، بكل ما قد شربت من خمر:
– أحبك.

أمام المقهى، طعم فلتر السيجارة الأخيرة المحترق يلذع شفتي، أمد يدي إلى علبة السجائر: فارغة!

لعلها المرة الثانية أو الثالثة في تاريخي كمدخن، لم أنقطع عن السجائر مذ كنت في الصف التاسع حتى الآن في تلك الأيام، كنا حفنة من الأولاد، ندخن خلف غرفة محولات الكهرباء في الحي المجاور، بين القبور، في بيوتنا الفارغة، في قلوبنا الفارغة، نسرق من جداتنا المدخنات و نهرب إلى الأقبية.

شعور عوز السجائر يشبه اللجوء.

أثني العلبة الفارغة بعشوائية .. ثم أرميها باتجاه الحاوية القريبة، فشلت في إدخالها أيضا!

لم أدرك أنها كانت تحدثني على الهاتف طوال هذا الوقت، عن طرد صاحب الحانة لنا، ارتدائي بلوزتها الصوفية وتركها عارية، عن ملاءة سريرها التي تلفت فيما بعد، عن طريقة ليوناردو دي كابريو في اختراق الأحلام في فيلم التأسيس، عن أحلامها هي:

– بماذا تحلمين عادة؟
– بالكثير
– مثلا؟
– امممممم .. مرة حلمت أنني أقاتل “داعش” وحيدة، ومرة بأن صورتي الشخصية على فيسبوك نالت 346 لايكا، قدر كبير من الذرة المسلوقة، أن أشرب القهوة وأستمع إلى فيروز في الصباح .. كما يدعي معظم الناس أنهم يفعلون، بتحريم الحنين إلى الياسمين الدمشقي في الشعر، ولكن أسوأ أحلامي -كابوسي الأكثر رعبا- كان: إنتهاء السجائر من العالم!
– وهل لديك سجائر الآن؟
– طبعا

أقهقه بصوت خافت، ألم خيبتي من على الطاولة الخشبية وأرميها باتجاه الحاوية، أنجح في إدخالها! ثم أمضي بخطى متسارعة

– أحبك

أغلق الهاتف، وأمضي إليها

 

 

 

الصورة: مقطع من تشكيل لـ Lazarides Rathbone

 

عن علي مصطفى الدرزي

علي مصطفى الدرزي
شاب سوري، فقط.

3 تعليقات

  1. rayan.civil@ymail.com

    لعبلك بشغلة تانية غير الكتابه ماشغلتك هالشغلي

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.