الصفحة الرئيسية / تجريب / لست لعبتكم المسلية
quint buchholz

لست لعبتكم المسلية

كنان خداج

 

أملكُ غرفةً أليفة، قد تكون متوحشة ببعض اللقطات، لكنها تتسع لي ولأشباح من فقدت، ولبضع كائناتٍ مثلي تألفُ توحشها..
على جوار السرير يتكورُ حزني، كائنٌ هادئ يساعدني على تجاوزِ خواء حياتي، كلُّ صباحٍ أطعمه قطعةً من قلبي فيهدأ قليلاً، ويدخلُ في سباتٍ عميق..
هناكَ أيضاً جوعي..
كائنٌ مسالم يسكن دائماً في دمي، سكنني صوته حتى أصبح جزءاً مني..
وللجوع، حين تألفه صوتُ دبيبٍ خاص في دمك، لا يفارقك صهيله مهما شبعت.
وآخر الكائنات في هذه الغرفة الخاوية هو خوفي، ينام معي على نفس السرير أحياناً تحت المخدة أحياناً في دفاتري.. في أقلامي… على أطراف أصابعي وبين أضلاعي.
كائنات عجيبة ومثيرة للفضول سكنت غرفتي، لكنها للأسف لا تساهم في دفع الإيجار.
نعيش حياةً سعيدة انا وأصدقائي الثلاثة، إن كان لهذه العبارة معنى…
على كلٍّ ..
اليوم توقفت الحياة السعيدة عندما سمعنا طرقة الباب، جفلنا نحنُ الثلاثة ولم يجرؤ أيُّ منّا على فتح الباب، الطرقات تزداد عنفاً، وأصوات دقات قلبنا تزداد عنفاً معها، تلك الطرقات كانت عنيفة لدرجة أنَّ الباب كاد يُخلع من مكانه.
ارتبكنا جميعاً وخفتت أصواتنا، الكل ينظر إلى الآخر دون ان يتحرّك من مكانه، انرسمت الدهشة على وجوهنا، إلى أن بدأ الحزن بالنكد وقال معنفاً: “قد تكون إحدى فرصك الضائعة أتت لتقول لك أضعتني وشردتني”، الحزن يكون أحياناً كائناً مزعجأً للغاية، تمنيت في تلك اللحظة لو انني أستطيع أن أطلق النار عليه، ولكنني للأسف لا أملك أي سلاح.
– منذ متى الفرص تقرع الأبواب يا غبي؟، الفرص ضاعت انسها فقط.
الجوع كان لديهِ وجهةً نظرٍ أخرى، لقد كان سعيداً بهذه الطرقات، قال: “تكون وجبة الطعام التي لن تأتي”.
– ليس وقتك الآن اخرس!!
ياالهي ترى من يكون هذا، “جاك الموت يا تارك الصلاة” –قال الخوف-
الخوف دائماً حكيم
– لا بدّ أنّهم عرفوا أين تسكن، يا لهذه المصيبة مع البشرية، كلّهم يكرهونك كلهم يريدون أذيتك.
– أنت على حق لقد عرفوا مكان إقامتي.
بتُّ أمشي في غرفتي ذهابا وإيابا أفتش عن مكان أختبئ به، وأنجو من هذه المداهمة المفاجئة، يا لهذه الغرفة القذرة لا يوجد بها مكانٌ للإختباء، لا أملك خزانة لأختبأ داخلها، أو لو وجد على الأقل سرير كنت اختفيت تحته، لا سبيل للخروج شباك الحمام أصغر من أعبر منه، لا أملك الوقت الآن لأشتم الفقر ولا لأندب حظي وعدم قدرتي على تحمل تكاليف ايجار شقة ببابين (1)باب للدخول وباب للهروب.
بعد تخبّطٍ لم يدم أكثر من دقيقة قررت أن أواجه مصيري وأن أرتب أفكاري قبل دخولي السجن.
ترى لماذا يعتقلونني؟، وحول ماذا سيتمحور التحقيق؟.
أسيسألني المحقق لماذا أكتب؟… أو لماذا أكتب هذه القصة التي بين يدي الآن؟
وإن لم أعرف الإجابة هل سيرفعني “فلقة”؟، ولكن عليّ أن أنظرَ إلى إيجابيات الموضوع، قد تكون الفلقة مفيدة لموضوع البكتيريا في القدمين.
أسيسألني عمن حرضني على هذا العمل المشين؟، وإن أجبته “درويش والماغوط والسياب وكافكا وتشيخوف ونيرودا وكامو وجارتي وآخرين” هل سيصدقني؟
وإن صدقني هل سيسألني عن مكان إقامتهم ويرمي بهم في السجون معي؟، أرجو أن أكون أنا وجارتي بنفس الزنزانة.
قد يكون على قائمة أصدقائي بهيئة فتاةٍ جميلة، ما المانع؟، لا أعرف لماذا يحبون التنكر على هيئة الجميلات، ربما هم كالكثيرين في العوالم الإفتراضية يحاولون إبراز نقيضهم، ولكن أيعقل أن يعلقني بالسقف لأنني لم أضع إعجاباً على آخر منشورٍ نشره؟، أم أنه سيتعاطف مع مسألة ضيق الوقت وعدم الإستقرار؟.
هل سيرمي بي بالمنفردة لأنني لا أشتري جرائد تشرين والثورة إلا لأمسح بها الزجاج؟.
ترى ما طرق التحقيق مع الكُتاب؟، ألاتزال عناصر المخابرات يجدون الوقت الكافي للقراءة؟، وإن وجدوا وقتاً لذلك، تُرى ما هي ذائقتهم الأدبية؟، أم هم من أنصار الحداثة بالقصة؟، قد يكونون من أنصار الشعر الثوري، لما لا؟ ربما كانوا واقعين في غرام ضحاياهم، أرجو ألاّ يكونوا من انصار التفعيلة عندها سيصبحُ السجن مكاناً مملاً للغاية.
هل سيضربني لأنَّ جميع أدباء الحرب على الطرفين لم يقدموا صورةً تليق بها؟، لا شك أنَّ له كامل الحق في ذلك..
يا الهي لم أعد استطيع الوقوف، ركبتاي تخوناني، الخوف يتسلل إلى كافة مفاصلي، أفكاري عن هذا الجحيم تأكل الآن ما تبقى من عقلي، لم أكن أعرف أني أخاف السجن لهذه الدرجة، ربما قراءة القوقعة والجلسات الطويلة مع أصدقائي الذين نجوا من السجون قد جعلت مني جباناً…
وجعلت الخوفَ وباقي الكائنات العجيبة يقتحمون ملجأ عزلتي بهذه الوقاحة.
كنت سأموتُ جوعاً، حزناً، رعباً … لولا أنني سمعت قهقة الأطفال في الخارج…
حملت نفسي مجبراً على النظر وصرخت:
(2)أيها الأشرار الصغار انها المرة الرابعة هذا اليوم، لستُ لعبتكم المسلية.

 

 

الصورة: quint buchholz

المراجع

المراجع
1باب للدخول وباب للهروب
2أيها الأشرار الصغار انها المرة الرابعة هذا اليوم، لستُ لعبتكم المسلية

عن كنان خداج

كنان خداج
قاص وشاعر من سوري, غادر البلاد قبل التخرج من كلية الإقتصاد في جامعة دمشق، كتب لعدة جرائد إلكترونية وبعض المقالات السياسية.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.