الصفحة الرئيسية / تجريب / لا مقدمة للشذوذ
child-sexual-harassment

لا مقدمة للشذوذ

اتصف عصام بملامح شرقية بحتة، وجهٌ نحيل وبشرةٌ سمراء مُصفَرة، عينان ضيقتان يتراوح لونهما بين البني المحروق والعسلي الداكن، ذقنٌ مدببة وأنفٌ مستقيمٌ وطويل، أذنان متوسطتان وفمٌ صغير يعلوه شاربٌ خفيف، شعرٌ أجعد يملؤه الشيب و نيشانان كبيران أعلى جبهته كعلامة للصلع.

لحّامٌ في السابعة والأربعين من عمره، تفوح منه رائحة الدم و الكونياك المعتق على الدوام، سكيرٌ أخرق اعتاد مزاولة الشراب حتى في ساعات عمله، لطالما جرح نفسه دون أن يشعر أثناء استعماله للسكين أثر الخدر والنشوة، سوسة اعتادها بعد قصة حبٍ فاشلة لفتاةٍ جميلة من الحارة المجاورة، كان ذلك منذ سنواتٍ مضت أكل تفاصيلها الزمن و لم يشأ القدر أن يجتمعا معًا لاختلاف الدين والملة.

وهبه الله فاطمة أو فطمة كما يناديها أبناء الحي كابنة وحيدة بعد زواجٍ تقليدي دام لسنوات، إذ أن تأخره بالزواج لقلة الحيلة ووفاة زوجته بعد الولادة مباشرةً كان السبب في ذلك، لتبقى فاطمة مرافقةً له في كل مكان وكل وقت، تروح وتجيء بين قدميه إلى أن وصلت عامها الخامس، تشبه أمها كثيرًا خصوصًا في العينين ولون الشعر، تفاصيلها تغدو واضحة أكثر مع مرور الزمن، حاول أن يعطيها عصام مزيداً من الحب والعاطفة تعويضًا لها عن فقدان حنان الأم.

اعتاد كرجلٍ ناضج أن يفرغ شهوته الجامحة بزيارة بيوت الهوى، يدفع ما لا يذكر من المال مقابل قليلٍ من السعادة، سعادة كاذبة ولحظية ولكنها مفيدة، ازداد ثرائه بمرور الوقت جراء قلة مسؤولياته، لم يكن عليه سوى تأمين بعض الطعام له ولفاطمة، بيته ملك ومحله كذلك مما خفف عليه دفع المزيد من المال، طموحاته صغيرة، يرغب في تكبير محله بوضع طاولتين أو أكثر وفتح مشوى للحم والليّة، قالبًا بذلك المحل الصغير مطعمًا بالكامل، أموره كانت جيدة بالمطلق لولا ولعه الزائد بشرب الخمرة وركوضه المستمر وراء الشهوة، انسانٌ طيب، بسيط، يحبه كل من في الحي ولا يحمل له أحد أي ضغينة أو كراهية، علاقته جيدة مع الجميع وليس فيها تشابكات أو شوائب.

السابعة من يوم السبت المشؤوم وبينما تحتضر الشمس خلف الجبال البعيدة، كان الحي هادئًا بالمجمل إلا من خطوات المارة فوق بقع الماء، أبو سمير يغلق محل الحلاقة الخاص به وابنه الأصغر ياسين يساعده في ذلك،  بينما تصعد أصوات الزبائن من قهوة المختار في الحي المجاور، جلس عصام على كرسي الخشب الزان بعد أن أنزل غلق المحل إلى المنتصف وصب كوبًا من النبيذ في طاسة نحاسية صفراء حبًا له بذلك، متأملًا الهدوء العام وسيجارة المارلبورو في يده. فاطمة تتقلب على الأرض وتلعب بثيابها المتسخة دون كللٍ أو ملل مثلها مثل الأطفال الذين هم في سنها، تقترب من عصام وتضع يدها الصغيرة على ركبته، ترفع لعبتها القطنية في وجهه مشيرةَ له أن يلتفت تجاهها، ينظر في وجهها الصغير ويبتسم عابًّا نفسًا ثقيلًا من سيجارته، سرعان ما تتحرك بلعثمة فتضع يدها بين قدميه محاولةً منها أن لا تقع، وكطفلة صغيرة لم تبلغ مستوى الحلم بعد تشد يدها بقسوة ليشعر فجأة أثر خدره ونشوته بإثارةٍ عارمة لم يفهم محتواها… ثوانٍ تمر دون حراك، نصف انتصاب ونصف شهوة، نصفٌ من امتقات الذات ونصفٌ أخر من الكراهية، أنصافٌ من كل شيء، مشاعر مختلطة انتهت بانتصابٍ كامل ووعي غائب تمامًا، تمتد يديه أو يدا الشيطان إلى الصغيرة حاملًا إياها إلى أحضانه، بين حضن الأب وحضن الوحش فوارقٌ كبيرة، بين ضمة الحنان وضمة الشهوات عوالم كاملة، لم يكن يعي ما يفعل، كل شيء كاذب، حقير، مارق، غير مفهوم وتملؤه شهوة شيطانٍ أسود، يتوقف المكان وتنتهي المحنة، يفض غشاءها وتوثق الجريمة، يبقى ساكنًا خائفًا لينتهي بالقذف في رحم الطهارة، رحم مريم.

يبتعد عنها، حدقتاه تتسعان دون ادراك، ينظر باتجاه الساطور المرمي على دفة التقطيع، كل شيء يمشي بطيئًا، يده الشيطانية تتحول فجأة إلى يد ملاك، يأخذ الساطور المسنون بشدة، شفرته كحد السيف، يضيع بالاختيار بين عنقه وما بين قدميه، سرعان مايمشي باتجاه الحمام، ما أن يدخله حتى يضرب نفسه بينهما، يقع أرضاً دون حراك والساطور عالق في مكانه، الدم يسيل بكثرة إلا أن قلبه لم يتوقف بعد، تنسل يده إلى جيبه، اعتاد أن يحمل مشرطًا صغيرًا هناك، يفتحه عن اخره قاطعًا شرايين رقبته، يكح بقوة لينفر الدم من فمه ويستطيل من رقبته، دقائق معدودة حتى يفارق الحياة.

عن ماجد اليمن

ماجد اليمن
مواليد دمشق، خريج إدارة أعمال، الجامعة السورية. مقيم في عمان، الأردن

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.