الصفحة الرئيسية / تجريب / مشهدٌ من حانةٍ ليليّةٍ في دمشق
مقطع من تشكيل لمنيف عجاج
مقطع من تشكيل لمنيف عجاج

مشهدٌ من حانةٍ ليليّةٍ في دمشق

ومرةً أخرى..

أصادفهُ في الحانةِ

القصيرُ الذي

بجسدٍ ممتلئ..

ونظارتينِ سميكتينِ ستنهبانِ وجوهاً زرقاءَ..

كأنما مساءاتٌ وسّدتْ شتاءها.

 

***

 

كانَ يرهقُ الطاولةَ المجاورة بيديهِ الثخينتين

ومثلي..

يشربُ العرقَ

وينظر بعمقٍ

في عيني النادلةِ السمراء

كانَ ثمّةَ دمٌ واضحٌ على أكمامِ قميصهِ

وجثثٌ بيضاءُ تحتَ معطفهِ السميك..

أسنانٌ باليةٌ وقبورٌ رمادٌ تنزُ من جيوبه.

 

***

 

تهمسُ ليَ النادلةُ:

عليكَ أن تذهبَ..

أن تسيرَ مخفوراً بالصمتِ والليلِ..

بالجدرانِ التي مالتْ من اتّكاءِ المرافقِ الرّخْصةِ على حجارتها

بالحجارةِ الباردة التي استلقتْ على الوجوه والظلال..

بالظلالِ الواسعة؛ ما زالتْ هناكَ تُحصي صمتَ البيوت..

البيوت التي..

ومن بعيدٍ

تغمزُ بشفتيها الرطبتينِ كحافّاتِ الكؤوسِ

ثمّةَ نافذةٌ صغيرةٌ للعبور..

 

***

 

المطرُ خارجاً أنيقٌ كشاعرٍ في الأربعين..

البردُ يُلهبُ ظهرَ المصابيحِ المطرقةِ جهةَ العدم..

بينما أربعةٌ..

بظهورٍ محنيّةٍ.. وأجسادٍ مائلة،

يكسوها الملحُ والعسكرُ والرصاص

يمسحونَ وجهَ القصيرِ الذي مازالَ يشربُ العرقَ..

وخصرَ النادلة..

 

***

 

كلّ شيءٍ الآنَ هادئٌ..

المرأةُ التي دفعوها خارجاً كآنيةٍ محطمة..

اقتادوا نهديها (لمحاكمِ التفتيشِ ومكافحةِ الإرهاب)

لم يتكلموا كثيراً، إلا أنّهم

صفعوا الريحَ بأحذيتهم الثقيلةِ، ورجلاً نحيلاً بأصابعَ كثيرةٍ وقصائدَ سريّة.

 

***

 

المخبرُ غادرَ..

والنادلةُ ما زالتْ بدمعتينِ هائلتين

تشيرُ من بعيدٍ:

ثمّةَ نافذةٌ صغيرةٌ للعبور..

عن قصي زهر الدين

قصي زهر الدين
كاتب سوري

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.