الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / حبّة جوز – جمال داود

حبّة جوز – جمال داود


 لمن أكتب؟

و أنتِ لم تعودي قادرة على إلتهام أوراقي و خواطري اللامعلنة…كما كنتِ تفعلين

لمن أتحدث…و إنتِ تطيلين السكوت و المراقبة و التحديق بي

لمن ألتجئ…و لاأحد سواكِ في هذه المجرة قادر على بعث الدفء بين قدمي

حبيبتي…هذا البرد قد ملأ صدري فجأة…و يحاصرني ضباب القلوب

كلّ ماحولي يعكس البرد…أصبحتِ أنتِ أيضًا مصدرًا للبرد بقلبك المعدني و تلك العين الزجاجيّة

 

لاتدعي الموت هكذا….لاتفقدي الذاكرة….لاتخذلي من اجتمعوا حولكِ يطالبونكِ بالعودة أيّتها “الصوبيا” السوريّة . .

 

هويّة البطل

من يتحدى الدبابة بصدرٍ عارٍ هو البطل من رفض لقمة الذل….هو البطل

من تثور عليه أمعاؤه كل ليلة…و تهجره كسرة الخبز في الصباح…هو البطل

من تحمله جرة الغاز من يستجدي عطف مدفأته من يصلي لآلهة المازوت هو البطل

من نام ذات ليلة على “ميكس” صوتي من القذائف و عياط الأولاد و أصوات التكبير و دعاء الوالدة و هتاف المتظاهرين….هو البطل من دفع ثمن الـــ لا ….من مات فداء لــ لا …من قال لا في وجه جلاده…من آمن بالــ لا …من صلي في سجنه الـــ لا هو البطل

من أوحى لي هذه القصيدة هو البطل أنا هنا…لأكتب سيرة حياة البطل . .

 

مفعول الجوز

أحضرت لي صديقتي من سوريا بعضًا من الفطور المحلي….”جبنة شلل و مكدوس و شنكليش”

بالحقيقة لقد أحضرت لي إلهامًا صباحيًا لقصيدة سورية

 

“سفرة الفطور”

تذكرتكم عندما كنت أأكل فطورًا سوريًا حقيقيًا

نحن السوريون نشبه “سفرة فطورنا” لايمكن فصلنا عن بعضنا ..

نحن الجبنة..الشاي..اللبنة.. المكدوس…الزيت والزعتر…الزيتون…المربى…البيض

نحن صراخ الأم “تعا كسير السفرة”…نحن الانزعاج من الاستيقاظ باكرًا….نحن نكتة الصباح

لانستطيع العيش بعيدًا عن بعض… نحن كتلة واحدة…خليط واحد من الفكاهة و الحزن و الدبق و المبالغة و الغيرة و العنفوان و الشغف و “الأنزعة” و العزة و الانفعال و الغضب….مع كثير من الحب و الخيبة…رشة فرح …القليل من الكره و الحقد…رغبة في الانتقام تطاير عند أول لعبة لفريقنا الوطني مع فريق غريب

الكنافة نشريها من الشام , و المعجوقة من السلمية , و حلاوة الجبن من حمص, و الشعيبيات من حماة و الشنكليش من الوادي , و السمك من الساحل , و الراحة من درعا , و الهريسة من النبك , و الفتة بسمنة من الشام القديمة و القراص من القرى و اللوزينة و الزعتر الأخضر من حلب…. هل يستطيع أحدهم أن يتهمنا بالتطرف للكنافة ؟ أو الانحياز لطائفة المكدوس ؟

 

لاتلوموني..على فرط عاطفتي هذا الصباح يبدو أن في المكدوس حبة جوز نشطت مفعول سورية…في الدم . .

 

حصّالة البكاء

هذا الذي أكتبه هو “البكوة” التي ابتلعتها عندما كنت صغيرًا

في سوريا…يقولون للصغير عندما يبكي أمام الغرباء…”ابلعا”

في حصّالة البكاء وجدت القهر و الخنوع و الذل مجتمعين…ربما من أجل “بوري بوظة” ربما من أجل سؤال ديني أو جنسي..أو ربما لأني شتمت الحاكم و أهل الحاكم ذات مرة

يقول أحد الأصدقاء: “ضلينا نبلعا حتى صارت ثورة” . .

 

“لاتحكي بالسياسة”

سنحكي “بالسياسة” أيها الأهل أيها المناضلون أيها الممانعون….و أنتم الآن ستسمعون حديثنا و إن كان مشوهًا…أو طفوليًا..و دون أن تنطقوا بحرف..و دون ان توجهوا لنا النصائح

“من هون و رايح اسمعوا منا السياسة” . .

 

“يحدث في سوريا” 18+

في الماضي كنا نتحدث عن تلك البلاد البعيدة التي يذكر اسمها في نشرات الأخبار

تلك البلاد التي تصدر للعالم جثثا مشوهة و طفلًا صغيرًا يحمل مدفع رشاش

تلك البلاد التي يكتبون قبل ذكر اسمها…تحذير يوجد مشاهد عنيفة ينصح بمشاهدته لمن هم في سن الثامنة عشر و مافوق

يحدث أن تكون الصورة عبارة عن أشلاء أطفال و شباب دون الثامنة عشر…

أو رجل يضرب حيّا حتى الموت…أو يسلخ حيّا…أو مجموعة من الملثمين يرمون جثة في نهر

كنا نتحدث و كأننا نسينا أننا لانزال من شعوب العالم الثالث….و حكامنا مازالوا حكامًا من القرن الماضي !!

 

إرم ماضيك خلفك… كما ترمى تلك الحجارة المفتتة, المهشمة, التي كانت في الماضي صخرة كبيرة

إرم ماضيك خلفك…من يملك القدرة بعد على بناء ذاكرة ؟

 

وطن…طفل…زيتون

الوطن شجرة زيتون معمرة

عندما يقتل أحد الأطفال في أحياء الوطن…ينقص عمر الشجرة عامًا

سوريا التي اشتهرت بــ المعاصر

تشتهر الآن بــ المجاز

والكل يذبح باسم الزيتون

 

لا أقسم بالزيتون…. و هذا الحاكم المجنون

لاتقتلوا أطفالنا… و كل شيء دون ذاك يهون

 

لاتعمر الطفولة كما يعمر الزيتون

سوريا مشهورة بفتوتها…بصغارها….بذكاء الصغار و سرعة بديهيتهم…و يبدو أنها اشتهرت مؤخرًا بسرعة موتهم

 

يعصرون صبرنا

كما عصروا بلادنا في السابق…حتى آخر نبع نفط و سنبلة قمح و حبة قطن

جففوا منابع الثورة..و حاولوا جهدهم منذ البدء…لتصبح أي ثورة…إرهاب

 

إرم ماضيك خلفك…إنزع عنك عباءة الأحزان و شروال والدك الذي لايثور و لايغني من جوع

إرم ماضيك خلفك…كما ترمى الأغاني و أشعار المديح…للحاكم و أهل الحاكم…بعد انتصار ثورة

 

في الأشهر الأخيرة من الثورة السورية

كل الذي قاله الشاعر للثورة

قلته لكِ

وكل الغزل الذي غمز به المواطن لجرة الغاز و تنكة المازوت

تغزلته بكِ

وكل القبل التي أرسلتها الأم أو الحبيبة لابن خرج يتظاهر…

أرسلتها لكِ

وكل الأمل الذي حمله السوريون لمستقبلهم القادم

حملته لكِ

ليس لي الآن….سوى أن التزم الصمت بحضرتكما

أنتِ و الثورة . .

 

ولادة كاتب

أنا أول طفل يرتدي “كلسون – دون حفاضة” ويمشي في شوارع باب عمرويقول: الله أكبل…ثقط بثال

أنا أول عامل أنا أول سيدة أنا أول معتقل أنا أول معتقلة أنا أول يتيم أنا أول حجي أول عاهرة أنا أول شرطي أنا أول معلمة أنا أول مواطن يصرخ في شوارع دمشق: الله أكبر…سقط الطاغية…سقط بشار

أنا أول دمعة فرح بسقوط الطاغية…في عين أم ثكلى فقدت ابنًا أو ابنة…أو في عين أب ابتلع دمعًا كالخناجر

أنا رجل كهل سكنه الحزن و الخذلان لــ أربعين سنة…يصرخ: الحمد لله أنني عشت و شهدت سقوط حافظ

أنا أول سوري يشرب نخب سقوط النظام…في مسجد أو في بار أو في كنيسة

أنا طفل يولد يوم يسقط النظام….و تحيا سورية !!! . .

 

غدًا سترجع قصائد الغزل , سيرجع فينا الإنسان

غدًا ستعود أيامنا الجميلة و “السيارين” و الحفلات و السهرات

غدًا ستبدأ السنة , سيحل العيد , سنحتفل بموسم العشاق الذين نضجوا وتفتحت قلوبهم

غدًا سينبع منا النهر…ويحبل من نطافنا الغيم

غدًا سيمشي الرضيع منذ شهره الأول وسينطق اسم بلاده قبل “بابا ماما”

غدًا سينجو منهم و يعود لنا….عندما يتحرر “غدًا” من قبضتهم

 

—–
جمال داود

عن جمال داود

جمال داود
شاعر ومصور فوتوغرافي سوري مقيم بماليزيا. حاصل على شهادة البكالوريوس في الاخراج الرقمي

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.