الصفحة الرئيسية / نصوص / نثريات / الحرب الأهلية .. خيارنا!!..

الحرب الأهلية .. خيارنا!!..

Henrik Drescher

توقفوا عن القول “سنقع في حرب أهلية”،  فذلك وإن حدث فلن يكون وقوعاً بالمعني العرضي للكلمة, أي أننا لن نقع خارج إرادتنا، ولن نُدفع مكرهين، ولن نتعثر بالصدفة، بل سندخل من الباب العريض، تملأ النشوة عروقنا وتغذي عزيمتنا آلاف الأصوات الحانقة القوية التي تطغى على أقوى نداءات التعقل والتروي والحكمة.

نعم نحن من يختار الطريق ومن المؤسف بل من المخزي أن نعلن بأن أبلهاً طويل الرقبة يختار بدلاً عنا.

 

وكما اختار من اختار الكلام عندما كان الجميع يصمت، وكما اختار من اختار الخروج للشارع عندما كان الكل ينظر وينتظر، من اختار السجن وقال: (أفضل أن أكون مقتولاً على أن أكون قاتلاً)، ومن اختار الإبعاد وقال: (النظام يقتل الشجاع والجبان، وأنا اخترت أن أكون شجاعاً). كما اختار كل هؤلاء، نحن أيضاً نستطيع الاختيار بين مواصلة العمل السلمي وتطويره وتنظيمه، أو الانجرار إلى حقل الألغام الذي بناه النظام ووقف فيه ويحاول يومياً استدراجنا إليه.

حناجر شبابنا التي أدمت وهي تعلن رفضها للنظام بكل لغات العالم مستعينة بحصافة الجد أو سلاح الهزل، تدعمها قوة الرفض وصرامة الحق، هذه الحناجر هي ما صنع المظاهرة الأولى، والتي تلتها، والتي تلتها، تلك الأصوات التي كفرت بالطاغوت وآمنت بقوة الرفض هي التي ستقول للنظام: ها نحن وقد رفضنا السكوت في الأمس، ورفضنا السقوط اليوم، سنرفض طاعتك في الغد، وإن غداً لناظريه غدٌ.

لن تموت الثورة إن اختار من اختار حمل السلاح، ولن نقتل بعضنا على الهوية إن اختار من اختار الحرب، وسيبقي بيننا من سيقف فاتحاً صدره في مواجهة البندقية، أي بندقية كانت، ينادي أن لا مكان بيننا للقتل أو القتلة، وتلك الشجاعة التي أدخلها الشباب إلى قلوبنا عليها أن تصل إلى قلب المثقف وخطاب السياسي ليقول: إن العهد الذي قطعناه في بداية الثورة، عهد السلمية، لا يجب أن يكون موضع تسوية، لأن كل  الدم حرام وإذا خيرت بين أن أعود للاستبداد، أو أصبح قاتلاً ، فسأختار الانتحار.

لكن ثمة طريقاً أخرى، غير الانتحار، يتحدث عنها الجميع، يرقبونها بتمعن، تارة بعين التفاؤل وتارة من منظار الإعجاب، وتارة أخرى بكثير من الاستهتار والتشكيك: تلك هي طريق العصيان المدني، طريق رفض الطاغوت. إن العمل السلمي في سوريا لم يفشل، لم يصل إلى نهايته، بل لم يجرب بعد، ويجب على التظاهر أن يخرج في يوم فقط لكي يمهد الطريق أمام العصيان المدني في يوم آخر.

إنه الطريق الأقل كلفة، والأسرع تحقيقاً للهدف، فلا يملك أي مستبد في العالم ما يكفي من العتاد والجند لكي يقتل شعباً فقط لأنه يرفض العمل لديه أو التعاون معه،

فلا يزاودن أحد على الناس بالقول: “لا يستطيع الناس الإضراب”، وينادي من جهة أخرى: “الناس لم تعد تحتمل السلمية”، فمن لا يقدر على إضراب يوم عمل واحد لن يكون قادراً على التظاهر وبالتأكيد لن يكون قادراً على القتال.

الإضراب هو الطريق الأقل كلفة، فإذا أرغمت على العمل فلا تعمل بكل بطاقتك، لا تدفع فواتيرك، استجب لنداءات إطفاء الأنوار في الليل، ابتسم عندما ترى شعارات الحرية تملأ الشوارع، اضحك عندما تسمع صوت القاشوش يخرج حياً من عند ربه يصدح بين الأزقة، افتح مذياعك بترقب على أنباء الثورة، واضبط تقويمك على روزنامة الحرية، وابحث في صميم قلبك عن مكان لك في هذا البحر الواسع من الوسائل.

 

 

 

——

نورس مجيد

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.