الصفحة الرئيسية / زوايا / حبر حر / هل يعرف السوريون حقا بعضهم؟

هل يعرف السوريون حقا بعضهم؟

استشهد عام 2001 في السويداء إثنان واربعون شهيدا وجرح ما يزيد عن مئتين وخمسين سقط 16 منهم برصاص الأمن أمام المشفى الوطني بعدما ألقى قنابل الغاز المسيل للدموع بالقرب من عيادات الطوارىء، قطعت الاتصالات عن المدينة وتحركت المدرعات لحصارها، وبقيت الاحداث 11 يوما، تم التهديد بسحق المدينة و كان الأمن يروج طوال الوقت ” أنتو بتعرفوا شو صار بحماة” .قدمت بعدها لجنة لتهئة النفوس، ووعد رأس النظام بتشكيل لجنة تحقيق بالأحداث.. وبالطبع على عادة لجان الأسد لم تظهر نتائجها حتى اليوم. لم يخرج يومها أي بيان من حزب أو تيار أو تجمع أو لقاء، فلا ربيع دمشق ولا خريف بيروت ولا صيف العالم همست ببنت شفة عما حصل وقته، باستثناء جريدة تشرين حينما أوردت في صفحتها الداخلية الخبر بصيغة مستفزة تستغبي عقولنا ( مشاجرة في السويداء بين رعاة الأغنام وبعض المزارعين)
في الثاني عشر من شهر آذار عام 2004، كادت مباراة لكرة القدم بين الفتوة والجهاد في القامشلي أن تكون شرارة الثورة السورية لو كان السوريون يملكون نفس الإحساس الذي ينضح منهم اليوم. سقط يومها اكثر من ١٣ من الشهداء على أيدي رجال الأمن. وفي اليوم الثاني تحول التشيع إلى غضب متفجر طال كل رموز الفساد والسلطة في المدينة، لتنتقل الشرارة في اليوم الثالث إلى القرى والبلدات. ليتم سحقها بالعنف والاعتقال والقتل المعهود من قبل قوات الأمن آنذاك ويومها شعر السوريون الأكراد إن أخوتهم في الوطن خذلوهم.

وفي آذار أيضا من عام 2005 في مصياف، شجار عادي بين سائقي السيارات العمومية تحول إلى مواجهة مؤلمة سرعان ما تطورت إلى مواجهة طائفية دموية بفعل التحريض الذي قام به عدد من أعضاء حزب البعث جعل من الصعب السيطرة عليها فاستقدم ” غازي كنعان ” (قبل انتحاره بطلقة في الظهر) مع قوات “سرية المداهمة” بالإضافة إلى القوات الخاصة المرابطة في مطار حماة العسكري منذ أحداث الثمانينات.

في سجن صيدنايا وتحديدا يوم السبت 5/7/2008 حصلت مشادة بين السجناء والشرطة العسكرية قتل على إثرها 9 أشخاص, مما أدى إلى اندلاع أعمال احتجاجية داخل السجن وقام السجناء بأخذ عدة رهائن من ضمنهم المدير العام للسجن. وأثناء ذلك استطاع السجناء أن يمسكوا بزمام الأمور ويسيطروا على السجن بأكمله، فما كان من قوى الأمن إلا أن أطلقت النار عليهم وقتلت منهم من قتلت.” انتهى الموضوع يومها بسحق المتمردين والرهائن معا.. حتى اليوم لا أحد يجزم بالتفاصيل

طبعا في الذاكرة البعيدة المشوشة للسوريين تتلامح مجزرة تدمر وسرمدا وحماة، وتحفل سجون النظام وأقبيته الأمنية بذكريات آلاف السوريين الذين أمضوا فيها عقودا من الألم والوحدة والموت البطيء، ولكل معتقل “قوقعته” فلاقوا من أخوانهم السوريين الآخرين كل أنواع الحيف والإنكار والمعاملة وكأنهم “مجذومين” او مصابين بوباء عظيم يحرصون على عدم الاختلاط بهم

 

تبدد العمه و إنجلاء العمى:

الخامس عشر من آذار من العام الماضي، كان من الممكن أن يكون يوما آخر تضاف فيه درعا إلى قائمة الأماكن المحكومة بالصمت “السريري” لولا أن السوريين في مدن أخرى كانوا صدى الصرخة التي خرجت ممزقة فضاء الصمت الذي لف البلاد. وفي الوقت ذاته فإن أهم ما عمل عليه الأمن والعسس لمحاول تحييد الثورة في بعض المدن كالسويداء والقامشلي، هو زرع بذرة الإنقسام، كونها المناطق التي ذاقت ويلات الموت والبطش و لم يفزع لنجدتها أحداً حينما واجهت النظام

اليوم اكتشفنا جميعا أننا لم نكن نعرف من سوريا إلا على مقدار ما يسمح فيه النظام، كانت أنانيتنا وفرديتنا وأرواحنا مغموسة بالفردية واليأس وكأن النظام جزء من قدرنا. ساهمنا جميعا بتكريس صورته، والترويع من هيبته، والموافقة على سلطته، فلم نكن نعرف من إدلب إلا أشجار الزيتون وبضع صور نمطية مخجلة، فجاءت بلدة واحدة منها ” كفر نبل ” لتصفعنا جميعا. لم نكن نعرف عن حماة إلا أنها مدينة جريحة ثكلى كانت معقلا للطليعة المقاتلة و أنها ناقمة على السويداء لأن أحد أبنائها قتل الشيشكلي لنكتشف أن البطش الذي طال حماة من الديكتاتور يعادل اضعاف ما نالته السويداء. لم نكن نعرف عن حمص سوى النكت والحلاوة الحمصية ونادي الكرامة لنكتشف أن فيها أحياء كباب السباع و بابا عمرو كل واحد منها يحتوي طاقة بلد كامل. لم نكن نعرف عن حلب سوى أنهم يحبون الطعام الحار والمزاج العالي و عن جبلة أن كل من فيها ضباط مخابرات، وعن اللاذقية إنها مدينة يحكمها الشبيحة. لم نكن نعرف عن درعا إلا إنها مدينة المسؤولين الكبار، ويُزرع فيها القمح, وإنها محافظة تحب ” الشنينة”.لم نكن نعرف عن الأكراد سوى إنهم يريدون الانفصال .. حتى رأينا دم مشعل تمو يتقطر ويشكل خارطة سوريا بجثمانه

نعم نجح النظام بعزل السوريين في مناطقهم وألهاهم بمشاكلهم، و كرس قسمتهم و لم يبق إلا على مؤسستين ليتواصل بها السوريون معا، ويعقدون فيها العلاقات والصداقات والمعارف ” الجامعة والجيش” فعلى الرغم من كل العلل لـهاتين المؤسستين المخردقتين أمنيا.. إلا أنها حفظت بعض الخيوط بين السوريين

اليوم عاد للسوريين ذلك الشعور العاصف بالانتماء إلى الدم والهوية والأخوّة، و أدركوا أن انتصار ثورة كرامتهم مرهون بهم جميعا، وهو التصدي لعصابات الإجرام وتفكيك بنية النظام المتغلغلة كالسرطان بين مكونات مجتمعهم

كل تجمع سوري اليوم عليه القيام أولا بثورة داخل مكانه الضيق. دينه، مذهبه, عرقه, و أكفاره، و أخرى داخل جغرافيته ليسقط منها الشعارات الزائفة والانتهازية، حتى نصل إلى ثورة جامعة نتناغم بها جميعا كل حسب قدرته. سوريا اليوم تستخدم لتفريق وقتل السوريين، مؤسساتنا الوطنية الجامعة مُحتلة من قبل المافيا الحاكمة.. وشارع النظام الموالي له ليس صنفا واحدا ولا لونا واحدا وليس صغير الحجم أيضا، لكنه شارع سهل التحلل والتفكك لأن بنيته تقوم على السطح وليس العمق و على نفس الوشائج المهترئة التي بناها النظام

اليوم ليس مطلوبا التكبير أو التصليب أو النداء على ابو ابراهيم وحمزة بن علي، أو الاستعانة بجعفر الطيار، أو الخضر عليه السلام لنكون مع الثورة أو داعمين لها، اليوم ليس مطلوبا التطابق باللغة الدينية أو السياسية لنكون مع الثورة أو مع النظام.. اليوم المطلوب الخروج من القضايا الشخصية أو الفئوية أو الطائفية .. إلى قضية الإنسان السوري العربي الكردي الإنساني الحر الكريم.. فبعد أن جعله النظام طوال 40 عاما فقيرا روحيا و أخلاقيا و فكريا و نرى اليوم كيف يستهين به بمجازر يومية لم تتوقف منذ الخامس عشر من آذار قاطرات الموت عن تسفير أرواح السوريين إلى السماء, قام هذا الانسان بثورة غير مسبوقة من أجل إعادة الاعتبار لنفسه و لوطنه

النظام متشكل من كل الطوائف و الطبقات، وكل فرد منا لديه أحد من أقاربه أو معارفه أو أصدقاءه يعمل في بنية النظام، ومن هنا فالنظام إذاً ليس فقط ” بشار الاسد” وعائلته المجرمة، بل النظام منظومة متواشجة من الفساد والمصالح والظلم والقهر الجمعي على كل السوريين.

اليوم داخل البلد, يجب أن تبقى الثورة في كل منطقة بما لديها من إمكانيات لتفكيك بنية هذا النظام التي ساهمنا فيها جميعا، وخارج البلد حيث يستطيع السياسيون التحرك والكلام بحرية أكبر عليهم النظر دائما لسوريا من أقصاها لأقصاها مثل كتلة واحدة والإنصهار معا في جبهة واحدة، فالنظام لن يسقط حتى يخرج بطر الاختلاف، ويعي كل السوريين إن هذا النظام هو المشكلة وهو الكارثة وهو الخراب

وحدة المعارضة السياسية تتلخص في جملة واحدة “تفتيت بنية النظام”, تفكيك حوامله الأخلاقية ودعامته الخارجية مع الإبقاء على البوصلة التاريخة للشعب السوري الذي قدم شهداء ونزف دما وفقرا وموتا من أجل حرية فلسطين أيضا. أما الشعب الثائر اليوم فهو يضرب مثالا عاليا بالتعاضد والتكاتف بوحدة دمه ومصيره بينما تجاهد فلول النظام بكل وسائل الخداع والغش والمكر والتشويش على منع هذا التواصل وفصل الشعب و تضحيانه و دماءه عن بعضه البعض. فكل المقولات التي تطلقها المعارضة وتحمل الشرذمة هي داعمة لقتل الثورة، وكلما طال أمد الفرقة السياسية بين طيوف المعارضة أطالت في بقاء النظام. وأخيرا ..

نختم بقولين للشهيد غسان الكنفاني الأول: إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية والثاني أن أحكي عن الحرية التي لا مقابل لها، الحرية التي هي نفسها المقابل.
—————-
حبر حر – مساحة رأي تنشر بالتزامن على المواقع االتالية: سوريا فوق الجميع، كبريت، المندسة السورية، صفحة الشعب السوري عارف طريقه، صفحة حركة شباب ١٧ نيسان وراديو واحد زائد واحد و مجلة سوريا بدها حرية مجلة سوريتنا و صبايا وشباب المجتمع المدني

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

3 تعليقات

  1. كلامك عظيم و مهم بس كلشي حكيتو سقط بمجرد ماشفتك حاطط علم الإنتداب الفرنسي مستنسخ التجربة الليبية فوق و قال عم تقول سوريا فوق الجميع….عجبي!….الله يرحم كل شقفة بتراب قبرك يا أنطون سعادة صاحب مقولة العاهرة و الشرف

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.