الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / وزن الرصاصه – جمال داوود

وزن الرصاصه – جمال داوود

جمال داوود

ثمن الرصاصه ثمن مشروب في مطعم يمتلكه الجلاد أو أحد أقربائه ,

ثمن علبة الرصاص ثمن علبة مستحضر تجميل تضعه مذيعة في قناة إخبارية محرضة على الفتن!!  
  
قل لي كم عشت ؟ كم كتبت ؟ كم انتفضت ؟ كم حلمت ؟ كم رغبت بالحياة النقية ؟ كم تحمل في رصيدك الإنساني و  كم هو وزنك و كم هو وزن الرصاصه ؟ 
ثمن الرصاصه ثمن رحلة سفر إلى دولة مجاورة بالحافلة أو بالتابوت !! 
ثمن الرصاصه ثمن وتد خيمة للمهجرين من أوطانهم تحت وطأة القمع!!  
ثمن الرصاصه ثمن الكفن أو أكثر قليلًا!!
ثمن الرصاصه ضريبة تاجر أو فاتورة كهرباء أو ثمن مكالمة عشقية طويلة!!
ثمن الرصاصه حديث حقيقي لامعلن , صرخة حق تدفن , وجع ضمير , استغاثة نازح… 


أكتب لكم على صوت الرعد , الذي هو يشبه صدى الطلقات في بلادي
بعض أفكاري التي تختبئ في قعر الذاكرة تنبت فجأة..كالفطر الرعدي , كلما استمعت إلى صوت الرصاص الذي فيكم..
لا رصاص هنا سوى ذاك الذي اخترق ذاكرتي ذات يوم , و ثقب الذاكرة لا يشفى
تتساقط من حروفي المقابر , تحاصر نثيرتي الكلمات المُنكّل بها!!
ستزهر الأرض ألغاما ً و قنابل إن قتل الأخ أخا ً له و سنبتلع الحصى
و نحصد الرصاص!!


و الرصاصه تتألم أيضا ً, تخشى مقابلة الأحشاء و الضلوع
تكبت الحزن في داخلها , تردد موسيقا الجنازة
فيوما ً ما ستموت كنحاسة رخيصة فجرت رأس عالم أو مخترع
و ربما طفل صغير قتله الفضول لمعرفة شكل الرصاصه.. 
للرصاصه أنين يشبه صوت ارتداد الحلم عن  اللاحالمين
الرصاصه تقرأ الوجوه و الأسماء وخانات ولادة و برقيات تعزية  ..الرصاصه في اللغة: هي جبن القاتل أمام المقتول ربما هي عجز القاتل في فهم لغة المقتول
الرصاصه واحدة تعريف التشوه الإنساني


مفاهيم خاصة عن الرصاصه
العبرود “رأس الرصاصه”  خِطاب لحاكم يظن نفسه ربا ً , أو آية في كتاب سماوي لربّ لايعترف بالأخطاء و هو الذي لم يأتِ على ذكر الرصاصه


مفعول الرصاصه أن تؤمن برجل تظنه نقي , فيكذب الرجل و يفنى الإيمان
مفعول الرصاصه أن تقول لا…فيرمونك بالخيانة…أن تقول لا فيقطعون عليك طريق العودة للحياة , أن تقول لا..فتصبح في عداد المصابين بالهلوسة
مفعول الرصاصه أن تصرخ وحيدا ً في الأوراق الممزقة , بعيدا ً عن موائد الطعام و خطابات الأهل المكررة
مفعول الرصاصه أن تصيبك الكرامة في زمن اللاكرامة , أن يمتلئ قلبك بالنخوة وسط ساحة إعدام مليئة بالقتلة و المظلومين

  
يحاصرني الزمن الآن…و يهدد رأسي بالمسدس
زمن الرصاصه أسرع من زمن كتابة الكلمة
 ر ص ا ص ه = رؤية صبي أعزل صعقت هامته..رصاصه  
زمن الرصاصه 200 فكرة في الثانية عن الوطن
أين يعيش الآن مخترع الرصاصه ؟ المصنع؟ المركب ؟ التاجر ؟ المهرب ؟ القاتل ؟ الآمر بالقتل ؟ المستفيد ؟ التاجر الآخر ؟ المواطن الذي يدفع ثمن الرصاصه ؟ الرئيس الساخر , اللامبالي؟
كل هؤلاء الذين أطلقوا الرصاص أين يعيشون الآن و قد تآمروا على قتل الضحية ؟
و هل يتقابلون في السر؟ هل يتقاسمون حصتهم من الشظايا و الأشلاء؟ هل يفترشون بيوتهم برخامة القبور؟
هل يحتفظون في أرشيفهم الخاص بورقة النعوة  بورق “الآس” ؟ هل يستمعون في أوقات فراغهم لموسيقا الجنائز؟


حوار المقتول مع الرصاصه 1   
ولد المحمول على النعش في حي الجنازة , في ضاحية صغيرة ربما في زقاق
تعلم بصعوبة و اضطر للعمل في سنوات الدراسة
صادق/ أحبّ/ ضحك/ شارك/ لعب/ درس/ نجح/ عمل/ قبض/ صرف/ وضع فتات المال في الحصالة/ خرج في نزهة  ليلة الخميس/ طبخ/ جلى الصحون أصلح التلفاز/غاب عن الصف/ حضر/ فشل/ لم ييأس/ عاد من الغياب /قبّل حبيبته/ قبّل جبين أمه..يدها…أحضر لها هدية في عيد الأم/ أطاع والده أحيانا ً.. عانده في السر/ تعرض لطعنات من أعز أصدقائه ثم تصالحا 
قاوم /استنصر لأبناء أمّته/ تابع نشرة أخبار/ استنكر/ ملأت النخوة صدره /سأل عنكم..فلما صرخ وحده بالحرية: أجابته رصاصه


و يصرخ بعض المتفرجين على الجنازة: لاتجادلوا الرصاص بالرصاص
قد يربى أولادكم على طعم الرصاص
فجرح الإخوة لا يندمل
توقفوا يا إخوة السلاح عن إنجاب الرصاصه
الرصاصة تنجب رصاصه
و الحوار يقتل المتحاورين جمعيهم..إذا بدأته الرصاصه


بعض الرصاص يضيء الطريق..لقتلة آخرون
بعض الرصاص أبغض من بعض
!!ترعد سماء بلادي طلقات , فتتفجر الضغينة من أعماق الأرض


يصيح الشعب الذي يحمل النعش: لن تنجو من فعلتك أيها الجلاد…ستقبض عليك أحلامنا
و مهما قتلت منا…لن تقتل فينا الأحلام
أحلامنا…كآلامنا لاتمحى
نحن نتألم من أجل أبنائنا الخطائين…هذا مافعلناه من أجلك سورية…فما أنتِ فاعلة من أجلنا ؟
أطلقوا ماشئتم من أحقاد..أحلامنا ضد الرصاص , أفكارنا لا تخنق و لا تزهق في قبو تحت الأرض
أو في ساحة إعدام للرأي!!


أعرف إنسانا ً في سورية اختطفته الشياطين و عاد من السماء من السابعة ليثور من جديد
المدى المجدي للأحلام إسقاط النظام!!
المدى المجدي للقصيدة إسقاط الدمع!!


يصيح الحاكم و تقول الآلهة في حضرة الرصاصه:
هذه الرصاصه لهؤلاء الذين لا يريدون إطاعة كلمتي. وبما أنهم لا يريدون أن يطيعوا كلمتي، فإني سأقتلهم بهذه الرصاصه , لأني أعاقب هؤلاء الذين أحبّهم رميا ً بالرصاص” 


أعبئ الحبّ في لفافة تبغ فيحرقها جنرال يشعر بالندم , أو بالنشوة لقتله أبناء الوطن
أين تدربتم على تشويه الحقائق: أطفالنا أهداف متحركة , أرض الوطن حقل للرمي

كلمات محشوة بالبارود تلك التي يطلقها المتطرفون و عبدة التماثيل
أين المفر من كلمات بفعل الرصاصه
أين المفر من المطر النحاسي الذي صعد للتو ليملأ تلك الغيمات ؟
أين المفر من القلوب المحشوة بالسيكلون ب و الغازات المسيلة للكرامة
أين المفر من الذين استحالت ضمائرهم إلى بارود , و كم هو وزن ضمائركم ؟


الوقت و الرصاصه
سورية توقف الزمن , لم يعد بإمكانها إيقاف سرعة الطلقات 
سورية تأكل من صبرها , فإذا سمعت صوت الحياة و رأيت الناس يدخلون في الثورة أفواجا ً فسبح باسمها و أبشر.. 
قالت سورية: “إني أرجعتُ الوقت لأن شعبي ليسوا حاضرين كما أريدهم أن يكونوا، أرجعتُ الوقت لأن شعبي لا يُسبـِّحون إسمي كما أريدهم أن يفعلوا , ولأني عظيمة الرحمة فإني اُعطيهم فرصة أخيرة، لكي يستلم كل من يأتي عند قدمي حياة أبدية…  !!


حوار القاتل الأبدي و المخلّص الأبدي..”  
المخلّص: ينسى الكثير منكم إنني متُّ من أجلكم على صليب الجلجثة 
الرجل الذي استحال رصاصه: و من قال لك أن تخرج منا كنبي , و من طلب منك التضحية من أجل العالمين؟
المخلّص: خرجت مع الذين يطلبون وجه سورية , أنا الذي أبتلع خطاياكم كل عشاء أنا الذي أكنس لكم الشوارع و أفتح الأبواب و أخبز الخبزوأعجن الأسى و ألملم أشلاء الموتى من المقابر الجماعية , أنا النازح على أرضي أنا المهاجر الحاضر , أنا الذي أطيع المعدن الرخيص و أصنع من جسدي رصاصاً لكم
الرجل الذي استحال رصاصه: لا حياة لكم خارج الأقفاص , لانريد التغيير فقد ألفنا أصنامنا , لاحرية خارج المعبد الاشتراكي, حريتكم هي الرصاصه
 المخلّص:  “أشعر بألم حينما ينكرني إخوتي، إذ أنه مثل فتح ذلك الجرح ثانية وهذا ما يؤلمني. إنه مثل صلبهم لي ثانية على الصليب” 
يوما ً ما سيخرج الرصاص من قلوبكم , سأطهركم جميعا ً و أطهر أولادكم من بعدكم
الرجل الذي استحال رصاصه: لاتتعب روحك الرخيصة , لا أحد في الخارج سيذكرك , ربما يمنحك الجلاد الطيب قبرا ً لائقا ً , لاأمل لكم هنا على هذه الأرض , كلكم أموات في حضرة تماثيلنا , غدا ً ستنجب زوجتك ميتا ً آخر
 الشعب الذي يجري في عروقه البارود و الغضب , الشعب الذي يلد الصحراء من فمه , الشعب الذي يقدس رموزه إلى حد العبادة , لا تنقرض فيه الرصاصه
فلنصرخ معشر الرصاصات : إلى الأبد إلى الأبد , يا خالق الرصاصه , يا واهب الرصاصه  يا حافظ الرصاصه


سرعة المغلاق 
أستطيع تجميد الرصاصة  في الهواء في أي وضعية كانت , سرعة مغلاق الكميرة أسرع من سرعة الرصاصه بـــخمسين مرة
أوقفتها مرّة قبل أن تصل رأس المتظاهر الذي يمسك الهواء سلاحا ً و يمتطي حبال الصوت
أوقفتها مرّة في حجيرة النار التي تملأ قلب عنصر الأمن الذي جذع من فكرة سقوط الحاكم
أوقفتها مرة قبل أن يقرر القاتل ضغط الزناد…كان اسمها في ذاك الوقت…”حقد
يكبر الحقد و يصبح رصاصه , و لا يستطيع أحدكم إيقافه  
لم أستطع إيقافها في أفكار شاب يريد الانتقام لمقتل الأب أو الأخ أو الأم أو ابن العم…
لم أستطع مسح صورتها من ذاكرتي التي تتألم
لم أستطع مسحها من خطاب الحاكم و رجل الدين المتطرف
سبقتني إليكم الرصاصه


معلومات عامة عن الرصاصه
الرصاصه تموت حسرة إن أصابت جدارا ً أصما ً أو معدنا ً صدئ يشبهها
سعادة الرصاصه تتناسب مع عمر الضحية , شاهد أحدهم رصاصه تنتشي طربا ً عند خروجها من رأس رضيع


الهدف.. رجل أسقط تمثالا ً مصنوعا ً من الرصاص
الهدف… رجل  هدم رمزا ً محشوا ً بالرصاص
الهدف…طفل صرخ في وجه الرصاصه
الهدف…شاب يهتف في مظاهرة ضد قتلة الأطفال
الهدف…شاب مر بالصدفة من تلك المظاهرة
الهدف…جندي أرسله سيده ليقتل إخوته
الهدف…حائط ارتدت عنه الرصاصة فأصابت صاحبها…قد يصبح الحائط إنسانا ً أو مايعادله


قال الزناد: أنا آية سماوية , أنا خطاب رئاسي عقائدي ديني من السيد من رئيس بلد من القائد , أنا سِفر الحرب أنا أبدية حزب, أنا عائلة ضيقة تحكم شعبا ً عظيما ً ,  أنا نشيد ديني وطني مفبرك , أنا قناة تلفزيونية طائفية أو عنصرية أو حكومية , أنا نشرة أخبار مدبرة سلفا ً , أنا أغنية وطنية تمجد الرئيس و أهل الرئيس , أنا مسيرة مؤيدة لرصاص , أنا مظاهرة يتخللها الرصاص , أنا خلاف أزلي بين الأخ و الأخ  
    ….
يخبو صوت الرعد في الخارج , تهطل الدموع , تنبت على إثرها قصيدة!! 

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.