الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / سوريا ولبنان تحت الاحتلال: “الاخبار” ومثقفوها اليساريون والموقف من الثورة السورية – كمال الصوفي

سوريا ولبنان تحت الاحتلال: “الاخبار” ومثقفوها اليساريون والموقف من الثورة السورية – كمال الصوفي

“الاخبار” ومثقفوها اليساريون والثورة السورية
“الأخبار” صحيفة لبنانية يصدرها حزب الله، قامت سمعتها في اوساط المثقفين العرب اليساريين على القسم الثقافي وقسم الرأي في الصحيفة وعلى فريق عمل يلعب المسيحيون الوطنيون العلمانيون واليساريون فيه دور المفاصل الرئيسية. فالقسم الثقافي يرأسه مسيحي يساري هو بيار ابي صعب الذي كان يعمل في مجلة  “الوسط” السعودية، وأنسي الحاج الليبرالي المسيحي كان رئيس تحرير في صحيفة النهار اللبنانية اللبرالية اليمينية، وزياد الرحباني  المسيحي الشيوعي الذي لا يحتاج الى تعريف، واخيرا رئيس تحرير الصحيفة ومؤسسها الصحافي الراحل جوزيف سماحة المسيحي اليساري القومي ابن صحيفة “السفير” ، فضلا عن كتاب في الصحيفة جلهم من أصول ماركسية قومية كخالد صاغية وهو ربما يكون مسيحيا أيضا. وصولا إلى من نقصده بهذه الإشارة، واعني به ابرهيم الأمين وهو ايضا من أصول ماركسية قومية.

هؤلاء وغيرهم من أهل “الأخبار” هم كتاب تقدميون لاسيما في موقفهم المعادي للصهيونية، وفي  وضوح رؤيتهم للصراع العربي الإسرائيلي.. ومن كثير من القضايا الفكرية والإجتماعية، فهم بامتياز معادون للطائفية، ويمكن فهم موقعهم الفريد في العلاقة مع حزب الله انطلاقا من براغماتية الحزب وحاجته إلى تلوين وجهه الطائفي بألوان العلمين اللبناني والفلسطيني.

كل هذا رائع، خصوصا عندما هبت رياح الثورات العربية ووجدنا مثقفي “الاخبار” في طليعة المساندين لتلك الثورات، إلى درجة أنها تحولت إلى القضية الأولى لهم. إلى اندلعت نار الثورة السورية. هنا وقع الإرباك وحصل التردد والصمت فترة من الزمن، كان قد تصرف خلالها مثقفو الأخبار كل على قدر استطاعته، وبحدود ضيقة. لكن سياسة حزب الله  بعد صمت لا يستهان به، صعقت جميع المتحمسين لموقفه الفلسطيني. ترك الحزب لبيار ابي صعب في القسم الثقافي هامشا لتمرير بعض الأخبار وبعض المقالات التي لا تزعج القيادة السورية، بل ربما تقع في هامش جرى التفاهم عليه، ضمنيا، مع المراجع السورية.

لكن مع تصاعد الثورة ووقوع جرائم كبرى بحق السوريين على ايدي الأجهزة الأمنية للنظام الممانع الحليف لحزب الله، ومع ضغط القيادة السورية على نصر الله لإعلان موقف واضح من الأحداث الجارية على الأرض السورية قام السيد حسن نصر الله بإلقاء خطاب كارثي أتى  على سمعته ومكانته لدى الجماهير السورية التي كانت ماتزال تحتفظ بصورته في مكان معلى في كثير من البيوت السورية. وقد رد السوريون على الإعلان الفاجع للحزب على لسان أمينه العام بمساندة نظام بشار الأسد في حربه المفتوحة على “المؤامرة” التي يتعرض لها النظام بإحراق صور الزعيم المحبوب، وعلم حزبه، وصار نصر الله بالنسبة إليهم وهو وإعلامه عدوا للشعب السوري وشريكا في المذبحة.

ولكن كيف يفكر مثقفو “الأخبار” بالثورة السورية، وما هو موقفهم المعلن منها؟
هذا السؤال يحتاج إلى بحث لتظهير الجواب عنه بدقة وامانة. لكن مقالة ظهرت مؤخرا في “الأخبار” بقلم ابرهيم الأمين ساوت بين سلوك النظام وسلوك المعارضة بشيء كثير من التعميم، وذلك من خلال مقارنة لفظية سريعة بين وزير الإعلام السوري الذي تصفه المقالة بأنه “وزير الإعلام الجديد في سوريا الدكتور عدنان محمود يحمل أفكاراً مواكبة للعصر. لكن آلية العمل والتوجيهات تشله”. أما “من نصب نفسه وزير إعلام الثورة، ياسين الحاج صالح، (ولا نعرف متى حصل ذلك) يفترض انه مثقف عانى القمع وأمضى سنوات طويلة في الاعتقال. لكن آلية العمل والتوجيهات تجعله أيضاً يتصرف مثل أهل النظام..”.

الطريف أن ابرهيم مثلما يفشل في أن يقنعنا بوجهة نظره التي تمتدح وزير إعلام نظام يقتل شعبه المسالم بالرصاص، ويظل في منصبه و”صاحب أفكار مواكبة للعصر”..فهو يفشل في أن يقدم لقرائه ولو قرينة واحدة تقنعنا بالنقيصة التي رمى بها الكاتب المعارض ياسين الحاج صالح. وجعل صورة “وزير الظل” المعارض التي يحملها وجها آخر لصورة  الوزير الحاكم
وهو ما يحول مقالة السيد ابرهيم إلى عظة أخلاقية (تأثرا ربما بعظات السيد) اكثر منها مقالة تهدف أن تضع نقاطا على الحروف.

لكن ما لا يبدو لنا طريفا ولا هو حسن النية من جانب السيد ابرهيم، ما يمرره ضد السلمية الناصعة للثورة السورية في سياق لعبة “المقارنة الموضوعية” التي “يلعبها” السيد ابرهيم. يقول:
“ممنوع الاشارة الى عمليات القتل التي يقوم بها عناصر مسلحون تابعون للنظام، وأدّت الى استشهاد المئات من ابناء الشعب السوري. ففي ذلك ما يعدّ تحريضاً على النظام”.
حتى هنا الأمر حقيقي فالسلطة السورية لا تعترف بجرائمها حتى لأهل الضحايا الذين تستقدمهم لتتصور معهم وتقولهم أمام الإعلام قولا باهظا معاكسا للحقيقة المصورة والموثقة، يبرئها من الجريمة (كما حصل مع أهل الطفل حمزة الخطيب الذي قضى تحت التعذيب).
وبالمقابل يكتب السيد ابرهيم ” وممنوع الاشارة الى جرائم مجموعات مسلحة تخرج من الأزقّة نفسها التي يخرج منها المتظاهرون، وقتلت مئات من افراد الاجهزة الامنية والعسكرية. ففي ذلك ما يعدّ تآمراً على سلمية الثورة.”.
يصدق السيد ابرهيم في المقتطف الأول ليمرر ما لن يصدق فيه في المقتطف الثاني. فمضمون المقتطف الأخير هو رواية السلطة وذريعتها لممارسة بطش أكبر بحق المتظاهرين السلميين، واكذوبتها المفضوحة. لكن ابرهيم يعتمده ويسلم به من دون اي مراجعة أو تشكيك بمضمونه. ها هنا تناقض كبير. فالسيد ابرهيم الذي أعمل نقديته في حيز عطلها في حيز آخر.
والهدف هو أن يخلص إلى  إلى الموقف التالي:
“ممنوع لفت انتباه المعارضين إلى أنه يصعب تحقيق ثورة وطنية يشارك فيها السفير الاميركي، وممنوع التحذير من تكرار تجربة ليبيا. ففي ذلك انتقاص من القيمة الثورية للناس المشاركين في الاحتجاجات”. يحمل ابرهيم هذا الموقف للثورة ومثقفيها، ونموذجهم السيد الحاج صالح.
وهو بذلك يستعمل ادعاءات كاذبة يروج لها إعلام رسمي سوري لا يملك أي مصداقية، وتقولات عامية غير مهنية ولا هي فكرية، وهي، على الأرجح، من باب الادعاء الذي لا تسنده قيمة خالصة. فالسوريون عموما، والحمويون بصورة خاصة ليسوا طلاب نجدة لا من السفير الأميركي ولا من نظيره الفرنسي، أو غيرهما. والسوريون المنتفضون لم يسجلوا على انفسهم اي طلب مساعدة من أي جهة دولية يسمح للسيد ابرهيم بالتشكيك بنزاهتهم الوطنية، أو يطرح تخوفا عليها… من قبيل ما قام به السيد ابرهيم. وعلى رغم ان لا نصير للسوريين، حتى الآن، وبعد أكثر من اربعة اشهر على مواجهتهم البطولية لآلات القمع والموت العسكرية، سوى تضحيات جموعهم العزلاء.
أين هذه تلك المجموعات المسلحة التي تخرج من الأزقة ووتقتل مئات الجنود… ؟ هل ذهب السيد ابرهيم إلى تلك الأزقة وصورها وتحدث إليها ورجع بالعلم اليقين أم أن القيم على الإعلام السوري “الدكتور عدنان محمود (الذي) يحمل أفكاراً مواكبة للعصر” هو الذي زوده بها؟!

————–
عن صفحة الأستاذ
كمال الصوفي

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.