الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / الطفل عندمنعطف النهر (١١)

الطفل عندمنعطف النهر (١١)

 

 

 

 

اسماعيل الرفاعي

١٢ تشرين الأول ٢٠١١

.
١١-
هارمونيكا، تنين أحمر مجنح، فراشات خزفية، وأسماك كريستال، هدايا ولدي من ملَقَا.. عزف بالهارمونيكا، أغار عليّ بتنينه، مرّغ وجهي بطين يديه، وانهال عليّ باللكمات.. لماذا لم تأخذني معك إلى سوريا يا والدي؟
عصفور معدني، حذاء ضيق، بنطال جينز، بدلة مخمل، كتاب كوخ العم توم، كاميرا كوداك فورية.. هدايا طفولتي.
العصفور تحطم في اليوم الأول، الحذاء تحت أنقاض بيتنا.. البنطال خيّب أملي في صباح العيد، الكتاب حفظته عن ظهر قلب، والكاميرا التقطتْ صورة واحدة لطفل ما زال يلفّ بيته القديم، من غرفة إلى غرفة، يقلّب الصناديق، ينبش سقيفة الساكن المتداعية. مازال على حاله يفتش منذ سنين عن طفولته الضائعة في كيس الهدايا.

السوق المقبي، السوق الغربي، حارة الوسط، حارة الزايد، حارة العلوة، طريق المدرسة، طريق النهر، حويجة مناع، جامع الوسط، جامع المفتي، مدرسة علي بن أبي طالب، ثانوية عبد المنعم رياض، قلعة الرحبة، مئذنة عين علي، الشبلي، بساتين الخضر، خان ابو غروب، مدرسة زبيدة.. تلك هي خارطة الولد في لعبته الأثيرة (ضايع بالبلد ضايع).. الأولاد عادوا إلى بيوتهم، فصول الصيف والشتاء دارت في دروة السنين، واشتعل الشيب في رأس الطفل، وكان مايزال على حاله، ضائعاً، يركض في مسارب الطين من حارة إلى حارة.

رزان زيتونة، خولة دنيا، خولة حديد، سعاد الرفاعي، سهير أتاسي، نوار نجم، توكل كرمان، سونيا شامخي.. سيدات الضوء، المصابيح التي يسترشد بها الطفل في حواري الميادين، يخرج عن خطه المرسوم، تختلط عليه الحارات.. للأبواب أكرة بيته الخشبي القديم ذاتها، طين الشوارع، نوافذ الحجر، الشقوق، عتبات المنازل، يكتشف عالماً جديداً يشبهه، طريقاً أخرى، حارة يستعيد فيها رائحةالخبر الحار أول الفجر.. تير معلة، تفتناز، باب السباع، باب دريب، بابا عمرو، الجيزة، تلبيسة، الرستن.. يصعد جبل الزاوية، يطلّ على كون فسيح من شجر اللوز ، على حقول تتفتح من شقائق النعمان، على جموع ترفع رايات أرواحها، تهللّ لطفل أفضت به حارته القديمة، إلى وطن جريح، في كل حارة راية باسم البلد.

(من دفتر الطفل)

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.