الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / ساكنٌ.. في الموت

ساكنٌ.. في الموت

هديل ممدوح

 

الساكن في الموت، يتكئ على ذاكرته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، بعد أن يكون قد لملم شظايا القذائف من باب بيته، فيضيف هواية جديدة على جمع الطوابع والأنتيكا، يركّب الصور بشكلٍ أجمل، سيتراجع عن صفع ابنه حين اكتشف أنه مدخّنٌ جديد، سيربّت على كتف ابنته بعد أن استدعته أسرة المدرسة لتقصيرها في مادة ما بدلاً من أن يوبّخها، سيرافق زوجته إلى السوق بحيوية وفرح بدل أن يضع حججاً تثنيه عن ذلك، سيساعد الجار المدمن على سجائره في إطعام حماماته ولن يتذمّر من صوتها.

سيعيد ترتيب عزلته في هذا الوطن الكان َ غريباً قبل حين وثورة، سينثر الأقحوان في الساحة العامة، سيزيل الاسم الملتصق بها “مقبرة جماعية” ..!

سيعيد الهويّة للشهداء المجهولين، سيخيط أعضائهم المهشّمة، ويزرع الكثير من اللوز في أحشائهم، سيعزف لهم لينسيهم أنين الموت الساكن فيهم و يساعدهم على الرقص.

سيسقي الرّيش النامي على ظهور و أذرعة من سكنوا الزنازين، سيكون ريشهم هذا كافياً لأن يطيروا، سيغفر للفواجع مرورها الفجّ، سيلمّعها ويضعها في آنية من الكريستال ويسلّمها للمتحف الوطني..
الساكن في الموت، يُعمي قلبه عن الحزن والفرح، كل شيء سيكون سواء، يهمّه أن يرتق جرح الفتاة التي تئن على ناصية الشارع المقابل للثكنة العسكرية، وأن يزيل الشظية الملتحمة بظهرِ الطفل الذي يرفض أن يرمي قطعة السكاكر التي كان يهمّ بقضمها قبل ان يأتيه شروعٌ بالقتل.
الساكن في الموت سيمشي بيننا كخفّاش أبيض، عينان معلّقتان بجنّة تسكن غيمة، يحوّل القبور إلي كواكب، و يستاء كلّما ارتطمت خطوته بقذيفة صعدت من الأرض لتلاحق تلك الروح الهائمة.

 

عن هديل ممدوح

هديل ممدوح
مدوِّنة ومترجمة إلى اللغة الإنكليزية

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.