الصفحة الرئيسية / تجريب / أحزانٌ، في ملجأ الغارات – BOMB SHELTER BLUES

أحزانٌ، في ملجأ الغارات – BOMB SHELTER BLUES

ككراتِ العثِ،
أو كالعصافيرِ محروقةِ الأجنحةِ
تكومنا كلنا،
في الزاويةِ المحشورةِ
بينَ الأسمنتِ المسلحِ، والأسمنتِ المسلحِ
نسمعُ، رغمَ القصفِ،
الشهقاتِ المكتومةَ، بالكادِ
لجارتنا البدينةِ، وأطفالها المرتعدينَ، للمرةِ الأولى
في الملجأ القديمِ، الـ كانَ مهجوراً منذُ الحربِ
الـ أسموها “تحريريةً”
والـ ما حررتْ إلا يدَ القبضةِ الحديديةِ
لتقطفَ أرواحنا
البائسةَ/البائتةَ/المجوفةَ/كثيرةِ الضجيج، كخشبِ القباقيبِ/المسفوحةَ
على الأرصفةِ
كماءِ الشطفِ الآسنِ
الآسنِ
الآسنْ…
[حميميَهْ] …

ليسَت أصواتَ انفجاراتٍ
تلكَ الـ نسمعها فوقَ الأرضِ؛
بل هي
السماءُ ترشقنا
بحبها القاتلِ
المطهِر
المميتْ،
وحسبْ…
[يحبنا اللهُ، بلا شكْ] …

عدنا
—إذاً—
إلى الرحمِ
إلى تلكَ اللحظةِ الأولى
إلى الما-قبلَ أنْ تُخلقَ الأشياءُ
إلى لحظةِ الطمأنينةِ الخادعةِ الأولى
إلى القبرِ الحقيقي
الـ فيهِ خُلقنا
والـ فيهِ عشنا
والـ فيهِ نموتُ
ومعنا
لا شيءَ/كلُ شيءْ…
[رحِمٌ – ملجأٌ – قبرْ] …

بصوفيةٍ مطلقةٍ
كالتماعِ خدِ اللهِ في وجهِ السماءِ، لحظةَ الشروقِ/كصوتِ صباح فخري، في “قُلْ للمليحَهْ/كدورانِ رائحةِ الياسمينِ، الـ كانَ، في الروحِ، حتى تدوخَ/كطعمِ القهوةِ، في المصبِ النحاسي القديمِ/كدراويشِ النقشبنديةِ، الـ لم أكن يوماً، أفهمهمْ
هكذا، بصورةٍ غير مفهومةٍ، تماماً
تدورُ الأحاديثُ الاعتياديةُ
عن فُروجِ النساءِ
عن تجارةٍ، كانتْ
عن مسلسلاتِ رمضانَ البائسةِ معروفةِ البداياتِ والنهاياتِ
عن شقاوةِ الأولادِ
وكأنْ
لا موتَ يربِضُ فوقَ رؤوسِ الجميعِ،
في هذهِ الغرفةِ
الـ تحتَ أرضِ
ما كانَ حديقةً، يوماً،
وباتَ الآنَ
لا شيءْ، بالتحديدْ…
[صوفيَهْ] …

كلُ ما فرَقنا
فوقْ
اختفى، هنا—
اختفى تماماً،
مثلما اختفت الكهرباءْ…
[تقنينٌ إجباريْ] …

يا اللهْ؛
يا هذهِ القوةَ العاتيةَ والناعمةَ،
في آنْ،
يا منْ لمْ تبارحني/ولا لغتي/ولا أناملَ ابنتي، الجميلةِ، كعازفاتِ البيانو/ولا زوايا المدينةِ الحزينة، الحزينَهْ
يا ساكناً في كلِ شيءٍ
وفي لا شيءَ، كذلكَ—
أستحلفكَ، أستحلفكَ
أن تتركنا للموتِ الاعتيادي
كفانا
شظايا،
كفانا
يا اللهْ؛
يا هذهِ القوةَ العاتيةَ
والناعمةَ
في آنْ…
[دعاءٌ، لإلهِ الشظايا والمدنِ القديمَهْ] …

كيفْ؟؟
كيفَ تقولْ؟؟
بيتي الـ كانَ في مطلعِ الحارةِ الضيقةِ
كقبرِ محي الدينَ بنَ عربيٍ
الـ لا تأتيهِ الشمسُ، مهما حاولَتْ
قدْ ماتْ؟؟
وما همَ؟؟
صدقني،
قدْ ماتَ في داخلي
من لحظةِ أن احتلهُ الجنودُ
وتبولوا
على غبارِ ذكرياتي غير-المقدسةِ لأحدٍ
إلاي—
قد ماتْ…
[عن موتِ الذكرياتِ، والمدنْ] …

هذهِ
ذكرياتُ الزمنِ القادمِ
القادمِ
لا محالَهْ…
[صدقَ المنجمونَ، ولو كذبوا] …

رحِمٌ – ملجأٌ – قبرْ

عن جمال منصور

جمال منصور
شاعر سوري مقيم بكندا. مختص بالعلوم السياسية في جامعة كونكورديا