الصفحة الرئيسية / تجريب / سُعال فلكي حاد

سُعال فلكي حاد

وائل قيس
خاص بدحنون
 
 

بالقريب العاجل ستُرفع الأنخاب مستقبلة سنة جديدة مليئة بالأمل، وبالقريب نفسه سيغزو الفلكيون والمتنبئون الشاشات المُسطحة ويبهرون العالم بتوقعاتهم الخارقة للحواس الخمس. يتلاعبون بالتوقعات حسب ما تفرضه الحاسة السادسة لديهم من رؤية مُتعالية للحلم السوري بكامل جغرافيته.
في الليلة الأخيرة من العام الأكثر فرحاً، وألماً، وحُلماً لشعبٍ وزعَ جراحه على كافة الكرة الأرضية سيأتي أحدهم ومقابل رزمةٍ صغيرة من الأوراق النقدية ليظهر لنا مفاتن مخيلته ويسترسل بالحديث عن حربٍ طويلة الأمد كانت ستعيشها خارطة الشرق الأوسط، سيتحدث عن حروب طائفية، وأهلية، وعشائرية، وقبلية، واثنيه، وإقليمية.. وأنه ليس هناك من حل يلوح في الأفق لأن ما يحصل هو مؤامرة إمبريالية، استعمارية، وسايكس ـ بيكو أخرى.. إلا أن الحنكة السياسية للقيادة السورية ـ القطرية ـ الحكيمة، والصبر والسلوان الذي تحلى به الشعب السوري ساهم بالقضاء على المؤامرة بأقصر مدة ممكنة وأقل الخسائر المتوقعة، لأن الأفران، والمنازل، والأراضي الزراعية، والطرق العامة التي دُمِرت ليست إلا بُنى تحتية سيتم إعادة إعمارها بأقل من سنة وفق المعايير الدولية المتبعة لدى الأمم المتحدة.

في نهاية العام سيفيض علينا المتنبئين بالكثير من الحكمة، ويتشدقون علينا بكلامٍ معسول عن أزمة إنسانية ـ سياسية ـ اقتصادية ـ اجتماعية تجتاح المنطقة، وكما في كل عام سيتحدث الجميع عن نصر جديد للمقاومة اللبنانية، وحرب فلسطينية ـ إسرائيلية في منتصف العام. تعمُ أوروبا موجة من الاحتجاجات الشعبية نتيجة ما يعرف بسياسة التقشف، ويستدين الاتحاد الأوروبي من الحكومة اليونانية بعد أن تتجاوز أزمتها ويُرافق ذلك عدة تفجيرات إرهابية تغزو بعض البلدان الأوروبية، كرسي الرئاسة المصرية في خطر، تونس في قبضة السلفيين، والجيش التركي ينفذ انقلاباً يُطيح بحكومة «أردوغان» الأصولية. في منتصف العام يحصل انفراج في« الأزمة» السورية، ومع نهايته تكون المقاتلات السورية قضت على أخر معقل من معاقل «تنظيم القاعدة» في أقصى الريف السوري يُصاب على إثرها رئيس الوزراء القطري بجلطة دماغية. الرئيس« أوباما» ينتحر بجرعة زائدة من المارايجوانا، والرئيس الفرنسي يدخل في غيبوبة مجهولة المصير. وبعد رؤيتهم للدائرة الفلكية من زاوية منفرجة يكتشفون أن المهجرون السوريون سيعودون إلى منازلهم، والأطفال إلى حدائقهم، والرجال إلى معاملهم، ويتم الإفراج عن معتقلي الرأي، ويعود الشهداء إلى ممارسة حياتهم الاعتيادية، ينتعش الاقتصاد السوري ويتجاوز العقوبات المفروضة عليه، وترتفع الليرة السورية مقابل الدولار، واليورو، والجنيه الاسترليني، ويتم توزيع المحروقات على الشعب بالمجان، وتُغرد العصافير فوق الجامع الأموي والكنيسة المريمية بعد أن يتم القضاء على حربٍ طائفية كانت ستدخل المنطقة في دوامة المجهول. وعلى غفلةٍ من الفلكي يوجه له المذيع سؤالاً يشبه لكمة «محمد علي كلاي» القاضية مستفسراً عن المجهول الذي كان سيحاصر المنطقة، فيجيبه الفلكي بأنه لم يرى في الكرة الزجاجية إلا صورة شاحبة تحيطها دائرة من السواد المتدرج، وهو لم يفهم معناها لأن الغرابان اللذان يرافقانه على كتفه أرسلهما في مهمة إلى كوكبي المريخ والزهرة من أجل التلصص على الحياة العاطفية للرؤساء والملوك ومشاهير الكرة الأرضية قاطبة ليسيل لعاب المذيع ويطلب فاصل إعلاني من أجل أن يعرف شيئاً عن حياته العاطفية، وإن كان سيحظى بليلة حمراء مع «الليدي غاغا».

بالقريب العاجل بينما تطلق الألعاب النارية، وترفع الأنخاب في مقر الأمم المتحدة احتفالاً بقدوم العام الجديد، سيكون السوريون العُزل على موعدٍ مع مرحلة جديدة تبدأ بإحصاء أسماء الشهداء، والمنازل المدمرة، والقذائف المتساقطة عشوائياً، وتُسجل مخيمات اللاجئين أسماء الهاربين من الموت إليها.
بالقريب العاجل بينما يتحدث الفلكيون إلى الشاشات المسطحة عن رؤيتهم للمستقبل غير مكترثين بشعب يصنع مستقبله بيده.. سيأتي هذا الشعب ليبول عليهم بنظرة المتنبئ ويمضي خلف مستقبل حريته التي يريد.

 

عن وائل قيس

وائل قيس
مواليد دمشق 1987 له ديوان شعر قيد الطبع، مقيم في اسطنبول.

2 تعليقان

  1. وصاف في غااااية الروعة ….

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.