اعترافات لائقة.. وغير لائقة – ١

هديل ممدوح
خاص بدحنون
.

أحاوِلُ أن أمنعَ نفسي ما استطعت من أن أنزلَ إلى الشّارع، أيّ شارع، وأرقصَ جنوناً، أحاولُ أن أقنِعَ نفسي أنّي لازلتُ أحملُ في رأسي تلك العناصرِ الّتي يذكرونها في كتاب العلومِ والتشريحِ الّذي درسناهُ في تلك السّنةِ الّتي ظننتها حاسمةً لمستقبلي، أحاوِلُ أن أصدّق أنّ علمَ السيكولوجيا لازال صالحاً لأيامنا هذه، وأنّ الإنسانَ أصلُهُ قرد! وأنّ قاماتِنا استقامت بفعلِ التطوّر الطبيعي، ولكنّ لا تصدّقوا كلّ هذا، لايوجدُ في رأسي سوى ضفدع، وحاليّاً لا أملك سوى النقيق، نقيقٌ يضجّ بي ليقول ما نفع استقامةِ القامة، أمامَ اعوجاجِ الروح!

.
أجوبُ شوارِعَ التّاريخ، وأقرأُ عن الحروب الطائفيّة وحروب التّحريرِ الشعبيّة، والأهليّة والغير أهليّة، أشعرُ بالغثيان وأحاولُ أن أرى ثغرةً ما فالتاريخُ كما يقولون لا يكتبه إلّا المنتصرون_هذا أيضاً لا أصدّقه، التاريخ قد يكتبهُ الخونة! أو الساديّون أو أولاد الشوارع_
فأنا كما تلك الختيارة من كفرنبل، أرى أنّ التاريخ يكتبُ هذه الأيام، وأعترفُ بكلّ وقاحة أنّه لا يعنيني من سينتصرْ، ومتى! كما يعنيني أنّهم فعلوها، أو ربّما فعلناها، نحنُ أولادُ الشّوارعِ السّوريّة، فقدْ دخلنا التّاريخ.
.
أستمعُ إلى حاديَ العيس_العبارة الّتي لا أفهمها وقد سألتُ صديقي عنها لتوّي وأنتظر إجابتهُ عبرَ الهاتف المحمول، وتعاسة التكنولوجيا_ أوصي حاديَ العيسِ هذا أن يسلّم على أمّي، ويشكي لها همّي، لا أعرِف كم كان أميناً بتوصيلِ الرّسالة، لكنّ لا ضير إن أهملَها، فأمّي لا ينقصُها مزيداً من الهموم!
أمضي أنا المترفة إلى سنتي الجديدة، بكلّ بهاء، كما يليق بنا وبها وبي، وأعترِف بكلّ ما أوتيتُ من الجنون، أنّني أحببتُ موتَ البعض في السّنةِ الفائتة، وأحببتُ أسر البعض الآخر، وتمنّيتُ أن يقتلَ البعض، وتمنّيت أن أحمِل السلاح، وكرهتُ اللّجان الشعبيّة أكثرَ ممّا كرهت اغترابي، وأعترِفُ، أنا المترَفة أيضاً، أنّني تمنّيتُ أن يجرّبَ البعض الموتَ برداً، وأن يجرّبوا أن تفرغ المؤونةُ من خزائنهم وهم تحت الحصار، الحصار قصفاً.
تمنّيت أن أضع رامي البراميل الأهوج، أن أضعهُ في برميلٍ متفجّرٍ أخنقهُ برائحةِ البارود والتساؤلات أن متى سينفجرُ هذا البرميل به، وكيف سيكون شكلُ الموت، الموتُ احتمالاً.
.
أعترِفُ أنا وساديّتي أنّني وددْتُ الحصولَ على كبسولاتٍ بطعمِ التين، أو ربّما العنب، من فئة 1000 ملغ تسامح، وغفران! لكنّني لم أحصل عليها، فعالجتها بالطبّ الطبيعي وعناقك!
.
لم أتلقّ اعتذاراً من أحد على السّنةِ الفائتة، أنا فقط اعتذرت، اعتذرتُ طويلاً، أنا الممتنّة كثيراً للبلادِ ولثورتها، أعتذرتُ لأنّني خذلتها يوماً ورحلتْ، اعتذرتُ لأنّي جننتُ للحظات وتمنّيتها أن تنتهي، هكذا كيفما اتّفق، المهم أن تنتهي.
أعترِف أيضاً بكلّ ما أوتيتُ من التطرّف والتزمّتِ والعنادِ أنّني الآن، أريدها أن تنتهي كما بدأت، ثورة حريّة وكرامة، أو بالأحرى، كرامةٍ وحرية!
.

عن هديل ممدوح

هديل ممدوح
مدوِّنة ومترجمة إلى اللغة الإنكليزية

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.