الصفحة الرئيسية / زوايا / بالزاوية - فادي عزام / الكيان السوري: قابلية الاستمرار والتفكك

الكيان السوري: قابلية الاستمرار والتفكك

بالزاوية
لفادي عزام
خاص بدحنون

 

لا ينرعب احد، ولا أحد يخاف، ولا يستغرب ولا أحد “يزعل” ولا أحد يشكك، ولا أحد يهدر الوقت بالردّ أو ترديد ما هو غير مجد (سلفية، جبهة نصرة، جبهة الصمود والتصدي، جبهة الإنقاذ….) إلى ما هنالك من جبهات

.  اليوم، المعادلة ببساطة تقول: إن هذا الكيان السوري الحديث النشأة، عمره لا يتجاوز 68 سنة. يتعرض لأول مرة منذ الاستقلال عن فرنسا، لاختبار حقيقي حول هويته. أثناء الاحتلال الفرنسي، كان مكونا من خمس كيانات متصلة، وقبله كان جزء من كيان غائم أسمه إقليم بلاد الشام، وقبله جزء سائب غارق في رائحة الموت يتبع إلى الاستانة ومصائر شعوبه تقرَّر في اسطنبول.

.  اليوم سيُنتِج قاطنو الكيان السوري ما يشبههم حقاً، فان كانت الحقيقة حرباً أهلية، ستكون حرباً أهلية ولن يوقفها أحد، وإن كانت ثورة استكمال للاستقلال المسروق ستكون كذلك، وإن كانت النتيجة دويلات طائفية فليكن كذلك، وإن كانت فوضى عارمة، ودولة فاشلة ومآسٍ لن تنتهي بعشرة أعوام ويصبح لفظ سوريا يعادل لفظ الصومال في المخيلة، لن يوقف أمراء الحرب أحد.

.  فكما هو معلوم، الكيانات مثل الأفراد تنتج بالخلاصات ما يشبهها. وقابليتها للتفكك أو الاستمرار مرهونة باجتيازها اختبار الدم الذي تأخر عقودا.

.  كل النتائج متاحة، وأهم ما في الأمر، أننا لم نعد نعيش في وهم الدولة الجمهورية بمقاييس ملكية، وهمُ الشعارات الفارغة، وهم الترابط والتعاضد بينما تعسُّ من تحت الرماد حرائق مطمورة، وهم القيادة الحكيمة، لتوصيف الطغمة الفاسدة.

لم نعد نعيش في مقبرة كبيرة نبرر ما لا يبرر، ونخدع أنفسنا أنه لدينا بلد ووطن وكيان، ونحن لا نملك سوى احتلال متفسخ يتحلل بيننا، ويجعل من حياتنا مادة متعفنة بحجة انتاج بنسلين الممانعة والمقاومة، ويملأ أعمارنا بالعطن والألم والرياء المنظّم.

احتلال يمكن أن يردي أياً كان برصاصة في الشارع أو يخفي أي إنسان في مكان مجهول لا يستطيع حتى من يتقن الكلام مع الذباب الأزرق أن يجده. أو يقرر مصير أي كائن موجود داخل حيّز سلطه، مشاركا الله العزيز مهمتَه في القضاء والقدر.

.  أهم ما يحدث اليوم في الكيان السوري، أنه زعزع رسوخ منظومات القيم الأخلاقية والثقافية والاجتماعية البائسة التي تكرست وتكلست عبر عقود حكم البعث وملحقاته. الحكم الذي عمل بشكل منهجي على تفريغ المنظومات الأخلاقية وأحل محلها نوع من البغاء السلطوي، ودمر تباعاً القانون وربط حقوق الناس بقدرتهم على تملق السلطة أو العمل فيها، غيّر وخرب التاريخ حتى يكاد معظم السوريين لا يعرفون ما حصل قبل عام 1970، وكيّل المنتج الإنساني بميزان الولاء والطاعة والصمت، وربط كل شيء بأسباب وجوده الطارئ النشاز. حتى اصبح الاستثناء البائس قاعدة يمشي عليها سكان الجمهورية، كمهرجين في سيرك.

. اليوم في امتحان وجود الكيان السوري، فضحت الثورة الخواء الداخلي لنظام الرعب، وهزت أساسات غرزت بعمق في الوجود الإنساني لقاطنيه، ومهما أوتيت الأنظمة من قدرات على تثبيت الزمن وتغير سياق الاستمرارية، بربط الكيان باستمراريتها هي، مخيرة بينها وبين حرقه.

فهي ستجابَه يوماً ما سواء -تأخر أو تقدم – بما حصل في الثورة السوريّة، وخروج قدرات للجماهير عملت على خلق تمردها الخاص، الخارج حتى من تصنيف ادبيات الثورة المعروفة على صعيد تاريخ الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم.

.  وهنا يذكر أورتيغا في كتابه تمرد الجماهير فكرة جوهرية حول الشروط الأساسية لايجاد شعب ما، في كيان ما، فأهم الشروط :” أن يكون لأفراده أمجادٌ مشتركة في الماضي وإرادة مشتركة في الحاضر، أن يكونوا قاموا معاً بأمور عظيمة وأن يريدوا القيام بأخرى أعظم. في الماضي إرث من الأمجاد وتبكيت ضمير، في المستقبل برنامج واحد للإنجاز”.

إن وجود دولة، أي “كيان أو دولة “، هو استفتاء عام يومي.

أعتقد من هذا التشخيص يمكن البدء بالبحث عن الجواب، هل الكيان السياسي السوري الذي نعيش به لديه أسس الاستمرارية؟
أو يحمل حقيقة التفكك الحتمية أو الحرب الأهلية؟
الجواب مرتهن بالاستفتاء اليومي الذي يمارسه السوريون هذه الأيام.

الائتلاف الوطني وما انبثق عنه من حكومة “الشمال” حكومة التقسيم كما يحلو للمخابرات السورية تسميتها، قد تدفع للتحول فعلا إلى ذلك، مثلما دفعت الثورة إلى الاستعانة بالشياطين، لإسقاط الأبالسة.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

تعليق واحد

  1. واقعي جداً فالثورة ليست فقط على النظام بل على كل الأوهام القيمية السابقة

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.