الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / انف الارنوب الاحمر

انف الارنوب الاحمر

سامر المصفي
خاص بدحنون

 

 

هذه حكاية خاصة و (اضطرارية)
هي نبش في الذكرة البعيدة. بفرعيها – الفردي والجماعي – لاستحضار بعض الافكار الخبيثة.. ليس اكثر
هي شيء عن الحب. ماهيته، ومسبباته ودوافعه. ذلك الاختلاج الكيميائي الذي لن يجرؤ احد أن يقف ويقول: تعريف الحب هو كذا. دون ان اضربه بالحذاء

وعليه، فان اي تحليل سيرد لاحقاً ليس اكثر من كلام فارغ لا قيمة له. ليكن معلوماً فقط.

المدرسة، ذلك المكان العجيب. حيث تعلمنا جميعاً الحب قبل ان نتعلم قسمة الكسور او طرح الفواصل العُشرية. هي بلاشك القاسم المشترك الأكبر والوحيد بيني وبين كل من يستطيع قراءة ما اكتبه الان, لذا سيكون الحديث خالياً من التوصيفات. هو فقط يحتاج لنبش الذواكر واسترجاع رائحة الطبشور ليس الاّ.

لنتذكر تلك  الفتاة التي كانت تحب التلميذ الـ – شاطر – والجالس في المقعد الاول باصبع ٍ مرفوعة طوال الوقت وجاهزة للاجابة على اسئلة الاستاذ الحقيرة والصعبة.

ذلك الذي يكتب وظائفه دائماً وابداً. وكأن لديه ماكينة في البيت يضع الدفاتر فيها مساءً ليأخذها في الصباح محلولة وجاهزة للـ (أحسنت، ثابر الى الامام). اما علامات مذاكراته فهي مفخرة الاهل في الحارة على الدوام. وهو فوق ذلك، التجسيد الحقيقي لعبارة الام الشهيرة:(يقبرني أدهم…الاول على صفّو)، ونعم هو كذلك. لكن ربما كان هذا الـ “أدهم”. لئيماً وحقوداً، كذاباً، وبخيلاً. من يدري؟. لكنه يبقى مع هذا معشوق الفتيات الاول..

بينما انا – الولد الطيب والحبّوب – الذي يلعب مع الجميع ويساعد الجميع، ولا يتردد لحظة في اعطاء – عضّة – من (قضوضته) كل يوم لرفيقه في المقعد الخلفي (كان اسمه خالد. وهو الاكسل على الاطلاق).

فقد كنت بحاجة الى معجزة الهية او تدخل رسولي لتلحظني (هنادي) البنت الشقراء التي تجلس في المقعد الثاني على اليمين.
ولتعرف انني انتمي ايضاً لطلاب هذه الشعبة. ولكن عبث.

الان وبشيء من التفكير وكثير من السنين اجد ان الفتاة. عمليّاً، كانت تحب الانجاز والمكتسَب اكثر مما كانت تحب الشخص نفسه
– لا داعي لان تفكروا بالغيرة والحسد الان. اعلم انكم تفعلون لكن هذا ليس موضوع الحلقة اليوم اكملوا فقط –

اكثر من ذلك، فقد تصبح صفاته السيئة ذاتها موضوع الحب ودوافعه ايضاً، فيصير اللؤم والانتهازية والكذب (يقبر عضامي شو شخصيتو قوية). بينما الجالس في الخلف مثلي ومثل خالد فلسنا سوى حقراء وكذابين. وكسالى طبعاً

حسناً لايهم.

انا الان معني ٌّباقتفاء رائحة الحب ومساربها. وآليّة فوحها عندما تكون مخطئةً في تجاهل الشخص على حساب انجازه ومهاراته

– وادهم اللعين هذا كان يحسب مساحات الاشكال الهندسية مثلما يفتح طبّة القلم فلا تأخذ في يده سوى ..تك –
لكنه في الوقت ذاته لم يكن يعرف ابداً ما هو  لون انف راس الارنوب على جوارب هنادي البيضاء، او رائحة الممحاة الزهرية التي استعملتْها لشهر وخمسة ايام متواصلة.

– اياً يكن فهذا الان استطراد جانبي ولا يخدم النص (التاريخي) يجب ان اقول

حسناً، اذا كان الحب رائحة وكيمياء كما يقول اقرب تعريف الى قلبي فلا بدَّ  لأحد أن يتساءل: ما هي الروائح المنبعثة من المهارات العقلية في حل معادلة من الدرجة الثانية؟. وما هي الكيمياء التي تشع من شهادة معلقة على حائط مكتب او عيادة، او من المقدرة على رسم حصان بخمس دقائق؟ سوى ان تكون // وهنا احلّل// رغبة الانثى بأن تُحَب. بأن تكون موضوع الحب لدى ذلك الذي انجز كل هذا.
وهذه كارثة

ربما سيكون مفهوماً ان تقول احب ان أعجبَه. ولكن رغبة المرأة ان تكون معشوقة لا يجعل منها عاشقة بالضرورة – كما يفترض – وغالباً ما تحولها تلك الاليّة الملتبَسَة الى طرف يسترضي الحبيب ليرضى، ويُعجَب، ويَهيم. وسيجعلها تعيد صياغة انوثتها كل حين لتتماهى معه ومع ما يحبُّه تحت عنوان مُضلِل هو العطاء ومن ثم الاستلاب الذي يتحول بدوره الى ذلك الخلل التاريخي بين الرجل والمرأة, والمدعَّم بكل القوانين الالهية والاجتماعية منذ مردوخ وعشتار وتلك المعركة الرهيبة.

اما هنادي..حفيدة عشتار ال 1855 والتي تملك الآن نهدين كبيرين كجدتها، سوف تكون حقاً محظوظة لو انها تتبع الرائحة (فقط) ووترجم كيمياء الجسد والقلب وحسب.

او على الاقل تقرأ ما كتبته الان لتقول:اااااااااااه  هذا هو الفاشل الذي كان يجلس في الخلف؟… عرفته.
ثم تضيف وهي تقلب الصفحة (والله؟.. وبيطلعْلَك تحكي عالدكتور ادهم كمان؟).

هنادي، لو تعلمين كم احببتُك يا حقيرة.

عن سامر المصفي

سامر المصفي
مدوّن سوري - كتّاب دحنون