الصفحة الرئيسية / نصوص / شهادات / تدمير التاريخ السوري
Bryan Denton for The New York Times
Ebla

تدمير التاريخ السوري

نيويورك تايمز
 ٦ نيسان ٢٠١٣
تقرير: C. J. CHIPPERS
ترجمة: ربيع رعد
 
العنوان الأصلي: Grave Robbers and War Steal Syria’s History
 
 

تل مرديخ، سوريا –
زاحفاً في نفق ضيق لا يكاد يتسع لجسده، يتقدم (علي شبلي) حاملا مصباحه اليدوي الصغير ينير به جدران الفراغ الواسع بعض الشئ الذي وصل إليه تحت الأرض.

علي المقاتل في صفوف المعارضة السورية، كان يتجول أسفل مدينة (إيبلا) الأثرية المشهورة باحثاً عن ما يمكنه اصطياده من لقىً. التقط قطعة تشبه الحجر بيده، فركها بين اصبعيه لتتحول إلى رماد.. “هذه عظام بشرية” يقول.

في معظم أرجاء سوريا تتعرض الآثار التاريخية للأخطار بكافة انواعها، تتراوح بين الدمار التام بسبب القنابل والرصاص إلى سرقات الإنتهازيين الباحثين عن الكنوز الذين يستغلون فراغ السلطة. ففي (تدمر) “عروس البادية” احتدمت المعارك في وسط المدينة القديمة واستحل جيش النظام بعض القلاع التاريخية ليحولها لثكنات عسكرية كما في حلب وحمص وحماه.

لعقود من الزمن روجت (إيبلا) على انها أحدى الحواضر السورية الأقدم وهي معروفة اليوم بالإضافة للعشرات بل المئات من المواقع الأثرية كضاهرة بسبب مواقعها الإستراتيجي الذي يحتدم الصراع عليه في الحرب مع النظام اليوم.

تبدو من بعيد كتلة ترتفع فوق سهل إدلب. عمّرها سكانها الأوائل قبل ٥٠٠٠ عام تقريبا وتحولت في نهاية المطاف لتصبح حصينة بعد بناء سورها ولتعبد فيها آلهة متعددة نتيجة وقوعها على الخط التجاري الذي يربطها ببلاد ما بين النهرين والساحل السوري. ازدهرت فيها تجارة زيت الزيتون والبيرة. دمرت المدينة في حدود ٢٢٠٠ قبل الميلاد وازدهرت من جديد بعد عدة قرون ليعاد تدميرها مرة أخرى.

في العام ٢٠١١ عادت الحاجة لموقع (إيبلا) للظهور كونه يكشف منطقة السهل كاملة، استخدمتها قوات المعارضة لاستطلاع مسارات طائرات الميغ والسوخوي القادمة لقصف القرى والمدن الخارجة عن سيطرة الأسد. وعلي أحد المقاتلين الموكلين بهذه المهمة.

“من هنا أبقى اراقب”، يقول.

ينتمي علي لكتيبة (سهام الحق) التي تقوم بمهمة مضاعفة كما يدّعون. فبالإضافة للمراقبة، يقومون بحماية الموقع من اللصوص الذين تجرأوا على استقدام حتى المعدات الثقيلة لنبش الموقع بحثاً عن كنوز لبيعها في السوق السوداء.

علي نفسه يقوم بالحفريات على التلة القديمة، لقد اكتشف ممرات تحت الأرض قادته لسلسة من الخبايا. “هناك مدينة ثانية تحت الأرض” قالها وهو يزحف على صدره في الممرات التي صار يعرفها جيداً.

في أحد الممرات وجد علي كسرة عظم على شكل مغرفة كبيرة، تبدو قطعة من جمجمة بشرية “كان هناك الكثير من هذه الجماجم، الكهف كان مليئاً بها. لكن اللصوص رموها بعيداً ليتسنى لهم الحفر” يقول علي. القبور هي المواقع الأكثر احتمالا للعثور على الحلي أو التماثيل، فقد كان الأموات يدفنون مع بعض ممتالكاتهم هنا. ولهذا تعتبر إيبلا بمثابة متحف مفتوح بالهواء الطلق وهو مغر جدا للصوص الآثار.

إيبلا التي بدأت شهرتها العالمية في فترة الستينات بعد أن اكتشف ارشيفها الباحث الإيطالي Paolo Matthiae

١٦٠٠٠ لوحة طينية مكتوبة بالحرف المسماري قدمت نظرة شاملة عن كافة مناحي الحضارة القديمة فيها من سجلات التجارة إلى اللاهوت وحتى انها رصدت أخبار الحياة اليومية.

“كانت إيبلا المملكة الأبرز في فترة الألف الثالث قبل الميلاد”، يقول (شيخموس علي) عالم الآثار السوري ومنسق حماية الآثار السورية وهي جمعية تقوم بتوثيق الأضرار رالسرقات.

“سجلات مدينة ايبلا بالإضافة للسجلات المكتشفة في تل بيدر تعتبر النصوص الأكثر قدماً في سوريا”

كانت البعثات الأثرية تقوم بالحفر بشكل علمي طبقة وراء طبقة بالتربة وهناك مناطق لازالت لم تلمس بعد بنتظار حفرها بالمستقبل، لكن اليوم وبسبب الأوضاع الجديد، التقيب الوحيد الذي يجري هو من قبل لصوص الآثار.

بعد خروجي وعلي من النفق صادفنا بعض الأطفال يحفرون دون رقيب على سطح التلة يبحثون بدورهم عن الكنوز.  “هناك الكثير من الناس تأتي لسرقة الطوب بغية اعادة استخدامه في بناء افران الخبز المحلية.” بادر يقول.

أريته بعض الصور التي نشرتها النيورك تايمز عن الآثار العراقية عام ٢٠٠٣ وما حل بها من تدمير وسرقة ممنهجة كنت قد حملتها على جهاز الكمبيوتر. فأردف قائلا “التدمير الذي جرى بالعراق لا يقارن بما يجري هنا. انه تخريب حقيقي أن تُدمر الهياكل العظمية وترمى جزافاً كيفما اتفق.. وأضاف، هنا يتم تدمير حضارة بأكملها تنتمي للبشرية جمعاء”

السادة علي ومأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا مع عدد من علماء الآثار كانو قد ناشدو المقاتلين من كلا الطرفين بتحييد  المناطق الأثرية عن الإشتباكات وحمايتها من اللصوص والمخربين. ويبدو ان أثر جهودهم محدود جداً.. فالتعديات موجودة ولا سيطرة حقيقية عليها حتى قبل اندلاع الثورة، يقول عبد الكريم.

مناشدات متكررة تقوم بها إدارته لحث وزارة الدفاع للإمتناع عن احتلال القلاع الأثرية لكن بلا نتيجة فقد حُوّلت معضمها لثكنات عسكرية تستوعب الجنود وآلياتهم الثقيلة بكل انواعها.
“نحن ٢٣ مليون سوري، نحاول ان تصل رسالتنا لكل جندي في سوريا بغض النظر عن ولائه… لا تستبيحوا المواقع الأثرية فهي ملك لجميع الناس، انها ملك للعالم أجمع..”
“كمدنيين، لا نستطيع الوقوف بوجه الجيش” يقولها بأسى. “بعض المناطق تقوم فيها معارك طاحنة والشيء الوحيد القادرين عليه هو ارسال هذه الرسالة”

 

لمشاهدة الوثيقة المصورة- إضغط هنا

الصورة المرفقة: Bryan Denton for The New York Times

 

عن ربيع رعد

ربيع رعد
مصمم غرافيك، أترجم عن الإنكليزية ومشارك بالتحرير على موقع الأصوات العالمية العربي.