الصفحة الرئيسية / نصوص / المكتبة / عناوين للقراءة والتحميل / بعضٌ من قوقعة مصطفى خليفة- التنفس 4

بعضٌ من قوقعة مصطفى خليفة- التنفس 4

في السجون الأخرى التنفس هو حيز زمني يخرج فيه السجين من مهجعه إلى ساحة هواؤها نقي، بها بعض الملاعب فيتريض، معرضة للشمس فيتشمس… يأخذ حاجته من الهواء والشمس والحركة.

هنا … قبل التنفس يكون السجناء في المهجع قد انتظموا في طابور متلوٍ بعضهم خلف بعض، تفتح الشرطة الباب، يخرج الطابور بخطوات بطيئة، الرؤوس منكسة إلى الأسفل، العيون مغمضة، كل سجين يمسك بثياب الذي أمامه، عناصر الشرطة والبلديات يحيطون بالساحة وينتشرون بها بكثافة، يسير الطابور سيراً بطيئاً أو سريعاً حسب مزاج وإرادة الرقيب.

الاثنين والخميس يومان مختلفان عن بقية أيام الأسبوع هنا. في هذين اليومين تتم الإعدامات، لذلك عندما نخرج للتنفس في هذين اليومين تكون كمية التعذيب والضرب أكثر من غيرهما من الأيام، وفي التنفس يكون الضرب غالباً على الرأس:

– ولا كلب… ليش عم ترفع راسك؟!

ويهوي الكرباج على الرأس.

– ولك ابن الشرموطة !!.. ليش عم تفتح عيونك من تحت لتحت ؟!!

ويهوي الكرباج على الرأس.

في الصيف يكون التعذيب أقل. حرارة الشمس التي تثقب رؤوسنا تجعل عناصر الشرطة في حالة تكاسل وعدم ميل للحركة، في الشتاء يشتدّ التعذيب.

أحياناً وبينما الطابور يدور يتجمع بعض عناصر الشرطة حول الرقباء، تدور بينهم أحاديث لا نسمعها، يصبح مزاجهم فجأة أميل للتسلي بنا، يصرخ الرقيب:

– ولا حقير… أنت أنت يا طويل… أطول واحد بالصف، تعال هون…

يركض أحد البلديات ويجر أطول واحد بيننا، طوله أكثر من مترين، الرقيب جالس على كتلة إسمنتية أشبه بالكرسي، يضع رجلاً على رجل، يشد صدره يرجع رأسه إلى الوراء والأعلى، يقول:

– ولا حقير .. أنت بني آدم ولا زرافة؟

يضحك المتجمعون حوله بصخب، يتابع الرقيب:

– وهلق … اركض حول الساحة خمس دورات وطالع صوت متل صوت الزرافة … يالله بسرعة.

يركض السجين ويصدر أصواتاً، لا أحد يعرف كيف هو صوت الزرافة، أعتقد حتى ولا الرقيب نفسه، يدور السجين خمس مرات، يتوقف، يقول الرقيب:

– ولا حقير … هلق بدك تنهق متل الحمار!

ينهق السجين الطويل. تضحك الشرطة.

– ولا حقير… هلق بدك تعوي متل الكلب!

يعوي السجين الطويل. تضحك الشرطة. يضحك الرقيب وهو يهتز، يقول:

– ولا حقير… إي … إي … هاي ناجحة وكويسه … أنت متل الكلب فعلا.

ثم يلتفت إلى رتل السجناء الذي يسير منكس الرؤوس ومغمض العينين، يصيح:

– ولا حقير… أنت أنت… أقصر واحد بالصف ، تعال هون.

يركض أحد البلديات، يجر أقصر واحد بالرتل. شاب صغير لا يتجاوز الخامسة عشر، طوله أكثر قليلا من المتر والنصف، يقف أمام الرقيب الذي يضحك ويقول:

– ولا حقير… يا زْمِكّ … وقف قدام هالكلب الطويل.

يقف السجين القصير أمام السجين الطويل، يصرخ الرقيب:

– ولا حقير … يا طويل … هلق بدك تعوي وتعض هالكلب يللي قدامك وبدك تشيل قطعة من كتفه ، وإذا ما شلت هـ القطعة … ألف كرباج.

يعوي الطويل ثلاث أو أربع مرات متواصلة، يتقدم من القصير وينحني مطبقا بفكيه على كتف القصير الذي يصرخ ألماً ويتملص من العضة.

– ولا حقير… يا طويل… وين قطعة اللحم ؟ يا شرطة … ناولوه.

ينهال رجال الشرطة بكرابيجهم ضرباً على الطويل، يسقط على ركبتيه، يتساوى بالطول مع القصير وهو جاثٍ … يترنح … يصرخ الرقيب:

– بس … ” تتوقف الشرطة عن الضرب ” … ولا حقير … طويل … قوم وقف.

يقف الطويل.

– ولا حقير… قصير… وقف وراءه.

يرجع القصير إلى خلف الطويل.

– وهلق … انتوا الاثنين اشلحوا تيابكم.

يخلع الاثنان ثيابهما ويبقيان بالسراويل.

– ولا حقير قصير… نزل سرواله.

ينزل القصير سروال الطويل الى حد الركبتين.

– ونزل سروالك كمان.

ينزل القصير سرواله أيضا.

– وهلق … قرب نيكه … اعمل فيه متل ما بتعملوا ببعضكم كل ليلة يا منايك … يا الله قرب نيكه.

يتلكأ القصير، تشتد إليتا الطويل وتتشنج، يشير الرقيب إلى أحد عناصر الشرطة، يقترب هذا ويهوي بالكرباج على ظهر القصير … يلتصق القصير بالطويل من الخلف، يهتز الطويل، عضو القصير المتدلي بالكاد يصل فوق ركبتي الطويل، يضحك الرقيب وباقي عناصر الشرطة.

الرتل يسير. الرؤوس منكسة، العيون مغمضة، رغم ذلك، الكل يرى، الكل يسمع…. وترتفع بيادر الحقد والذل.

يطلب الرقيب تبديل المواقع، يصبح الطويل خلف القصير، عضوه المرتخي والمنكمش في منصف ظهر القصير… يستمر الضحك …

الرتل يسير، الرؤوس منكسة، العيون مغمضة.

تنفس آخر، يوم آخر، رقيب آخر، شرطة آخرون، بلديات آخرون، السجناء أنفسهم، زادوا قليلا، نقصوا قليلا.

يجلس الرقيب على الكتلة الاسمنتية ذاتها، يضع رجلاً على رجل، يصيح وهو ينظر إلى الرتل الذي يسير برؤوس منكسة وعيون مغمضة:

– جيبوا لي هـ البغل … السمين.

يأتون برجل أربعيني بدين، يعرف الرقيب منه اسمه واسم مدينته، كم أمضى في السجن … وتفاصيل أخرى، ثم يسأله:

– أنت متزوج ولاّ أعزب؟

– متزوج سيدي.

– أنت بتعرف شو عم تساوي زوجتك هلق … ولا … أنا بقلك، أكيد عم تشرمط، أنت صار لك ثلاث سنين في السجن …. وهي كل يوم مع واحد جديد.

السجين ساكت، منكس الرأس مغمض العينين، يتابع الرقيب:

– ليش ساكت ؟! … احكي … وإلا خجلان تقول قدام الشباب انك متجوز واحدة شرموطة ؟!… شو العرصات كمان بيخجلوا؟!

تمضي الأيام، يتبدل الرقباء، لكن الأساليب تبقى نفسها … الزوجة الشرموطة، إذا لم يكن السجين متزوجا تصبح … الأخت الشرموطة، أو حتى الأم الشرموطة، البنت الشرموطة إذا كان للسجين بنات.

” كنت أتساءل : هل هي تسلية فقط أم أنها نهج ؟! … الدافع للتركيز على هذا الموضوع هل هو عقد الجنس والكبت الشرقية لدى الرقباء يفرغونها من خلال السلطة التي يملكونها على السجناء؟! … أم هو نهج مدروس الغاية منه تحطيم الإنسان وإذلاله من خلال المرأة باعتبارها أعلى قيم الشرف لدى المسلمين سواء كانت زوجة أو أختاً أو أماً أو أية قريبة أخرى ؟!… وشرف المرأة لدى الشرقيين بالعام هو أن لا تمارس الجنس خارج نطاق الزوجية، وأي سلوك لها في هذا الاتجاه قد يدمر العائلة بالكامل ويلحق بها العار.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.