الصفحة الرئيسية / نصوص / المكتبة / عناوين للقراءة والتحميل / الى ألفرد الصغير – جميل حتمل 1

الى ألفرد الصغير – جميل حتمل 1

كانت ذراعايَ النحيلتان أعجز من أن تحملك، لم تكن كيلو غراماتي القليلة قادرة على القيام بذلك، وحتى لو فلم لم يكن ممكناً ضم إنسانٍ ما، هكذا، إنسان تجده أمامك فجأة، يبكي، أو يحول الابتسام، ويحرك ذراعيه وجسده، إنسان لم يكن أكثر من مجرد فكرة أو تخيّل، وها هو موجود تماماً. وها أنا بلا قوّة ولا شجاعة لأضمك إلى صدري.

قالت لي أمّك:

– أتى….

وابتسمت، وانا لم أبتسم… ربما توقعت هي أن أبتسم، بل أن أضحك، ثم احملك ضاماً أشهرك القليلة إلى صدري، مع أنّي لم أكن قادراً على حمل نفسي..

هل تعرف ماذا يعني ألا يستطيع أبٌ، أن يكون كذلك للمرة الأولى، ألا يستطيع أن يحمل ابنه الأول؟ هل تعرف وهل تفهمني الآن إذا قلت لك هذا؟

كان مساءً.. فتحو باب الزنزانة وسمحو لي أن أمضي… بدا لي الأمر أشبه بحلم… حتى أني لم أكتشف أنه مساء صيف إلاّ عندما استغرب سائق السّيارة الذي أقلّني إليك أننّي أرتدي هذا المعطف السّميك الذي اقتادوني به في ليل شتائيّ.. معطف بني قصير جاءني هدية من أحد البلاد المثلجة عادةً.. وكنت أحبّه.. لكن في تلك اللحظة شعرت بكرهٍ شديد له، بدده أنني ذاهب نحوك، أو لأقل نحو شيء لا أعرفه تماماً.. وحين وصلت لم أستطع أن أحملك، كان هناك ثمانية وأربعون كيلو فقط في الجسد، أي أقل من رقم الخمسين الذي قد يبدو طبيعيا لو ذكرته.

قالت لي أمك بابتسامة أو بدمعة، لا أدري:

– ها هو..

كنت غافياً في عربتك الصغيرة، ولم أحملك، تحججتُ بصوتٍ واهن:

– سأتركه نائماً..

والحقيقة أنني لم أجرؤ، أو لم أستطع، بل لم يكن بعد تلك الليالي الزنزانية الرطبة، لم يكن ممكناً أن أضمّك هكذا إلى صدري وأهمس لك: “ها أنا قد عدت..”

فكأني في هذه اللحظة لم أكن… وقتها ضحك الجميع لأني وصلت، وحتى أمك التي ربما أخفت دمعتها لأني لم أضمك ضحكت، أما أنا فكان عليّ أن أبكي حينها، أبكي بشدّة… لا أدري إن كنت قد فعلت هذا، لكن ما أدريه أنّني لم أحملك… هل ما زلك غاضباّ لذلك؟

باريس 14/4/1991

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.