الصفحة الرئيسية / زوايا / توراة موتّا (العهد المجيد)

توراة موتّا (العهد المجيد)

مثنى مهيدي
2012 رمضان
 

في حلب. تتمنی ألا تکون ليلتك هادئة.
سِفر النزوح :
يطلب الموت هذا الصباح أن نقف في طابور . قبل أن نصعد معه. يحتال علينا برائحة الخبز. ينظمنا الجوع. ثم نشبع فجأة.

 

سِفر التخوين:
ممدد علی کنبتي، منشغل بقراءة الرسائل في هاتفي. صوت خفي مسموع للتلفزيون من ورائي. فيه صوت أنثی تتحدث عن أن ما يقارب ال ۳۰ % من الأوروبيين يعانون من “السنة”، اعتقدت أنني أتوهم الصوت. تتابع حديثها عن أن ثلث الشعب الأمريکي يحشون “السنة” في شبابهم. بدأت أغير جلستي بصعوبة منتفضاً. وهي لا زالت تتابع متحدثة عن مراکز للدراسات الذي يشرح أسباب تفشي “السنة” في الغرب. فرکت عيناي وأذناي جيداً قبل أن أقترب إلی التلفزيون أکثر، تنهدت فجأة” ببلاهة. عند رؤتي لحرف الميم في کلمة ( السمنة ). تلك المذيعة الوطنية کانت تتحدث عن البدانة. أنا المواطن الطائفي، أعود إلی کنبتي.

 

سِفر الحنين:
في ما مضی، جارتي کانت امرأة أربعينية. تعمدت طويلا” أن تفتح شباك غرفة نومها عندما تأتي برجل من البار کما تفعل کل فترة . کنت أستطيع أن أری کل الجيران منصتين خلف شبابيکهم المغلقة. أدخن سجائري علی أنغام أنفاسها وصراخها. لم أدرك کم کان هذا الصوت ممتعاً حتی صرت جزءاً منه في إحدی الليالي.

 

سِفر عزرائيل الأول:
يتجول بين الجثث، يزين الوجوه، يرفع أطراف الشفاه لتبدو مبتسمة، في طرف فمه سيکارة وصل جمرها للمنتصفها، علی مهل يتفقد الموت أعداد الجثث، يحصي ويصنف فيهم الأطفال، ثم يتأمل لوهلة سريعة کما لو أنه يقوم بعملية حسابية سريعة، يتأکد من حمولته وجاهزيتها.
أنا، يتکئ رأسي علی ذراعي الأيمن، أتأمل کل هذا، واضعاً أمامي کوب مياه غازية، وسيجارتي بين أصابعي وأحك بين الحين والآخر طرف عضو من أعضائي.
يعجبني منظر الموت منهمکاً في عمله بکل إخلاص. أعتدل في جلستي محاولا” کتابة وصف أدبي لما أری، أو ربما رسم هذا المشهد. ينتبه الموت لصوت حرکتي، يتأملني للحظة، يحرك طرف أنفه کمن يتحسس رائحة کريهة، يبصق ما تبقی من سيکارته ثم يزفر نفساً خفيفاً من شفتيه کمن يشاهد شيئاً مقرفاً، يزيح بوجهه عني، ثم ينصرف بحمولته منزعجاً.

 

سِفر المَدَد:
کانوا قد انتهوا للتو من تخزين مؤونة الشتاء. وسط هذا الزحام المشتعل. لا يأبهون إللا لأسباب الحياة. وإذ تهدم هذا الجدار الذي يأوي. ها هو رتل من النمل ينزح بحثاً عن جدار آخر. أو ربما هو رتل للأمدادات. لمن وجد تحت الأنقاض الملاذ الأمثل.
الخلود للنمل.

 

 

الصورة: Alastair Muir ©

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.