الصفحة الرئيسية / تجريب / الموجز السينمائي لحياتك وحياتي، كما روته الشاشة الكبيرة للعتمة
سينما
cinema, سينما، دحنون

الموجز السينمائي لحياتك وحياتي، كما روته الشاشة الكبيرة للعتمة

مصطفى تاج الدين الموسى

 

رغم كل ماحدث بيني وبينك، لا أزال أحبك في كل تقمصاتك السينمائية…
وعند نهاية كل عرض سينمائي أظل في الصالة حتى يخرج الجميع لأكنس بقش قلبي ما قد تناثر من صورك بين المقاعد…

حذرتك طويلا من المشاغبين الثلاثة (فيلليني / هيتشكوك / بولانسكي).
إنهم يريدون بدون لف ودوران تقاسم سريرك… فضحك (برغمان) سيكلوجياً، رغم أنفي الرفيقين (غودار / وغافراس) وحده الشيخ (تاركوفسكي) أنقذك بتعويذاته الروحية…
لم أخف عليك عندما حملتك (الموجة الفرنسية الجديدة) لتقذف بك إلى أحضان (الواقعية الإيطالية الجديدة) فصديقي (تروفو) طمأنني بأنه سيخيط لك تنانير قصيرة، كلما عراك قليل الأدب (بازوليني) الذي يتجاهل بحق أنوثتك كل (قوانين الدلال) وكأنك فقط (راقصة التعري)..
يتساءل محششون…

أنت التي تغيرت، وأنا كما أنا منذ (الأبدية ويوم) أرتلك خيالا في (موقف الباص) أو في (كبينة الهاتف) …
همست لك ذات سكرة: (21 غرام) أقل بكثير من الوزن الحقيقي لروحك. روحك التي بلغت نشوة الكمال في (البجعة السوداء)…

يوم انتحرت في (نصف القمر) أنا وسجائري خرجنا في جنازة مهيبة نشيع فيها ذاكرتك الميتة في (صانع النجوم) …
سحرني خصرك الطري في (تانغو) فغضب مني (جيفارا) وقد أغوته مفاتن الثورة، أكثر من مفاتنك في (البعض يفضلها ساخنة) وتركني أسافر وحيدا إلى جسدك على (ترامواي الرغبة) يا (اسم الوردة)، فجسدك أشهى من (طعم الكرز) كما جاء في (الألواح السوداء) وعلى هذا تشهد (المعتقدات الأرجنتينية)…

حتى أن السرطان تسلل إلى قلبي، قبل أن يتسلل لروحك بمشهدين في (كل شيء عن أمي) ولأجلك بكيت كثيرا وأنت تحتضرين وحيدة في كهف مهجور من الضوء في (المريض الإنكليزي) فصرخت بوجه القدر:
كيف تموت من كان قلبها مرتفعا أكثر من (مرتفعات وذرنخ)؟…

يحلو لي أن أسميك (لوثيا) ويحلو لك أن تسميني (فرانكشتاين) وتدلعيني ب (بينوكيو) ي ا (حبيبتي هوريشيما) …
كرهتك كثيرا وأنت تسأليني في (مدام بوفاري) بغرورك البرجوازي؟ من أنت؟.. فأجابك مارلون براندو، بأن باح لك بكل أسئلة وجودي وضياعي في (آخر تانغو في باريس)…
هل تعلمين يا (لوليتا) أنني في زنازين الجهات المختصة، اكتشفت كم كانت (الحياة حلوة) في زنازين (شاوشينك) ..
يتساءل مدفونون…

كان لابد لي من أن أكره بيتك معك، في (منزل الرمال والضباب) وكل بيوتنا في سوريا حلت عليها (القيامة الآن) …
لم أسامحك لأنك قتلتني في (المرأة في البيت المجاور) فثأرت منك لأقتلك في (حياة الآخرين) ثم بكيت على جثتك، متذكرا ال (400 ضربة) التي تعرضت لها في طفولتي على يد (ماما روما) بكيت وروحك تلوح لي من فوق (جسور مقاطعة ماديسون) وأنا أهذي بقهر (وداعا بافانا)…

لاأشبهك، ولاتشبهيني…
أنا حي أشاهد الأموات في (الحاسة السادسة) وأنت ميتة تشاهدين الاحياء في (الآخرون) …
أتذكر يوم كنت أغرق بسببك مع ركاب الدرجة الثالثة في (التيتانك) فمددت يدي عبر الشاشة الكبيرة ل ش، حتى ينقذني، فناولني سيجارة وهو يقضم بنهم (التفاحة) وتمنى لي غرقا جميلا، ثم قال لك:
انسيه … مصطفى (ذهب مع الريح).

شكيتك لإله السينما، كم كنت برجوازية، وكم كنت أنا تروتسكي النزعة، لهذا تهشمت جمجمتي بفأس على الرأس في (فريدا) بعد أن تجاهلت كل طفولتي في (مالينا)…
أنا لست شبيحا كريها لأصمت بقذارة وأنت تخونيني مع إبن الجيران في (القارىء) ولست بطة لأحتفظ بحق الرد، لهذا خنتك مع كومة نساء في (كازانوفا)…
ولهذا شتمتك أيضا.. وقتها، جلست إلى جواري في عتمة الصالة لتخبريني عن تاريخك النضالي الطويل من (ساكو وفنزاتي) وحتى (الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة) مرورا ب (المدرعة بوتمكين)…

يكفينا شعارات، أنا وأنت نكذب على بعض، فمنذ 18 أذار صرخنا معا (وداعا لينين) وتركنا كل ال (حمر) حيث أخذنا (سائق التكسي) ل (لقاء جوبلاك) فتصادمنا مع شبيحة (كل رجال الملك)
الذين هم (قتلة بالفطرة)…

تاريخك النضالي يا عزيزتي، كله صار الآن وهما على وهم. لهذا عاقبتك بأن قطعت اصبعك في (بيانو) ثم استخرجت من جثتك كل (العطر) لأعيش مع (عطر امرأة) وحيدا في (غرفة الإبن) داخل (منزل الأرواح) في حارة داكنة من (المدينة الصامتة)…
ولأرقص بوحشة ك (زوربا) في (المخبأ السري) (تحت الأرض). ثم اكتشفت متأخرا وبندم، أنني لست (صائد الغزلان) وأنك أنت مجرد وهم كبير ك (سيمون) أمارس معك (الخطايا السبع) كأي (ناس عاديون)… وأن زمننا هذا، هو بامتياز (زمن الحمير المخمورة)…

تعبت…
تعبت. وأنا أطاردك فيلما فيلما، وكأنني مجرد (كلب أندلسي) يقفز من (النافذة الخلفية) تحت (المطر) ليبحث مع (أطفال السماء) عن (راقصة في الظلام) قبل أن يورطني (المواطن كين) بمشاجرة فلسفية في (نادي القتال) …
تعبت. وأنا بعد كل عرض سينمائي، أكنس ماقد تناثر من أفراحك وأحزانك، وما قد تناثر من قلبك وجسدك، عن أرضيات صالات السينما…
لكن، وحتى هذه السيجارة، لم أعثر عليك أبدا، في حياتي كلها…
حياتي … التي هي، فيلم كئيب .. أخرجه الله، عن سابق إصرار وترصد، وتدخين….

عن مصطفى تاج الدين الموسى

مصطفى تاج الدين الموسى
كاتب قصصي ومسرحي سوري، درس في كلية الإعلام بجامعة دمشق، صدر له مجموعة قصصية واحدة بطبعتين (قبو رطب لثلاثة رسامين). حائز على عدة جوائز في مجال القصة القصيرة على الصعيد السوري والعربي.