حبل غسيل- تمام عزام
حبل غسيل، Washing string

حبل…

هوزان شيخي

 

الأغاني مُستمرة وتنامين حلوتي.. هل مرَّت أمُكِ على الغُرفة بالصدفة؟؟ هل سحبتْ الغطاء إليكِ مُتمتِمةً: هذه الشقية تتحرك كثيراً في النوم، وتبردُ؟؟
وهل تحلمين؟؟ كيف تبدو الغيرةُ في الأحلام؟؟
شخصياً أعرفها في ساعات ما قبل النوم، رفيعة، كحبلٍ أحمرٍ يربط خُنصرين..
وهل حكيتُ لكِ قصة الحبل الذي ربطني به جَدي؟؟
كُنتُ صغيراً، ألعبُ في ساحة البيتِ الطيني، وقعتَ الكُرةُ في تلك الحُفرة، فراغٌ أصغرُ من بئر وأعمقُ من قبر، كانوا قد حفروها لتكون جاهزةً للاستعمال في حال أمتلأت حُفرة المرحاض الحالية، الكُرةُ هُناك، وأنا أبكي.. ربط جدي حبلاً متيناً على خصره، وربطني به، انزَلني، واخرجتُ الكُرة، بحبلٍ رفع جدي سعادتي من جورة الخرا..
ولماذا أحكي لكِ كُل هذا؟؟ أنتِ نائمة، أنا أسمعُ الأغاني، وجدي يموتُ..
طلبتُ من أخي أن يُسجل لي صوته، طرقٌ حديثة للاحتفاظ برائحة من سيرحلون، اتصل بي البارحة مُعتذراً، يبدو أن الصوت أسوأ من أن استطيع احتماله، حتى الصغير لا يُريدني أن أسمع الموت قريباً هكذا من رأس العائلة.. تعرفين حلوتي، جدي أطول مني وأضخم، 188 سم و 114 كغ، كُل هذا الجسد سينتهي.. بربكِ، هل تعرفين طريقةً منطقية لاستيعاب الموت؟؟ كيف سيُنزلون كل هذا اللحم إلى التُراب؟؟ هل يُمكنني لاحقاً إخراجُهُ بحبل..!!
تقول الأغنيةُ: “ألا يا أيها الساقي………….”

هاتِفُكِ تحت المخدة تماماً، أخافُ أن اتصل فتفزعي، كُل هواجس الليل أقلُ من أن اُزعجكِ بها، وكما وعدتُكِ سابقاً أنا هُنا بعيداً أحرُسُ أحلامكِ..
هل أُكملُ لكِ سيرة الحِبال؟؟ هل أحكي أكثر عن جدي؟؟

حينَ غادرتُ البِلاد، بكى، قال:”سِتةُ رجالٍ فقط في السُلالة، عَمُكَ وأبوك، أنت وأخواك، وأبن عمك الصغير، سننقصُ دونك، وتذكر: مو أغلى من الولد إلا ولد الولد”.. جدي يقيسُ العالم بالكُثرة، القوةُ عدد، كان يظنُّ بأن النظام لا يسقط لأن نصف العالم خلفه، الصينُ وحدها أكثرُ من مليار شخص، كيف سيسقط من وراءهُ مليارات.. بقي النِظام، وسقط جدي.. أُفكرُ، كم رَجُلاً -غيري- سيخرجُ في الجنازة؟؟..

نائمةٌ أنتِ، وأنا أسمعُ الأغاني وأهذي.. أكتبُ كي تقولي حين تقرأين “أسفة، ويجبُ أن تكون أقوى..”، سأجربُ أن أكون أقوى، فقط كي تستمري في الحديث معي، آخر مرةً كُنتُ ضعيفاً فيها ذهبتِ، أفهمُ هذا، لا يُمكنني أن أُجبِرَ فتاةً تتحركُ في النوم على احتمال الكآبة..
تقول الأغنيةُ: “لي لي صَبري……….”
المُهم الآن ألا تشغلي بالكِ، هي أمورٌ تحدثُ، أمورٌ أكبرُ مني ومنكِ، أحكي لكِ لضرورة الحكي فقط، ووحدكِ تفهمين ماذا أقول..
المكانُ هُنا مضيءٌ مُنذُ ساعات، الشمسُ تغيبُ لساعتين فقط، تخيلي حلوتي، المؤمنون يصومون لأكثر من عشرين ساعةً هُنا، سيكون ثوابهم أكبر، هل حكيتُ لكِ أن جدي لم يفطر يوماً في آخر ستين رمضان؟؟ يصومُ كعادة، ليس إيماناً أو أملاً، الكِبار لا يأملون، وهو من كان يُرددُ بأن الله صديقُ الأقوياء..

نائمةٌ أنتِ.. أُمُكِ مرَّت على الغُرفة وابتسمت، كُنتِ هادئةً وساعدُكِ هاربٌ من تحت الغطاء..
تقول الأغنيةُ : “وأحن مرة لهلي، ومرات أحن ليك….”

المكانُ مُضيءٌ منذُ ساعات، أراقبُ، صمتٌ يُرغمُني أن اشتاقَ إليك.. اشتقتُ إليكِ..
اتذكرُ جدي، سأحزنُ حين يموت.. في الشُرفةِ كي اتنفس، اتذكرُكِ، صمتٌ، صوتُ طيورٍ، صمتٌ آخرُ، ثم أُتمتمُ: ولماذا لا يَمرُّ عُصفوركِ على حَبلِ غسيلِنا..؟؟

 

 

الصورة: تمام عزام©

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.