الصفحة الرئيسية / نصوص / شهادات / خالد الخاني - حماة ١٩٨٢ / تاريخ النظام الإجرامي – شهادة للفنان خالد الخاني 4 / 8

تاريخ النظام الإجرامي – شهادة للفنان خالد الخاني 4 / 8

خالد الخاني
خالد الخاني

لا اعرف ماذا اصابني اليوم…؟ عشت لاروي لكم طفولتي بمجزرة حماه 1982

ساروي بعض الصور المؤلمة التي تخضع فقط لمنطق التتر الذين استباحوا مدينتي حماه 1982

ونحن بداخل جامع عمر ابن الخطاب بالموضىء فتح الباب علينا وادخلت خمسة او ستة فتيات, وياله من منظر … النصف السفلي من ملابسهم مليء بالدماء نحن الاطفال لم نعيره اهتماما لان هذه الاشارة اكبر من مداركنا ولكن بدأ بعض النساء يسقطون صرعا من هذا ولم نفهم لماذا تصاعدت سورة ياسين والتكبيرات وتصاعد البكاء ونحن الاطفال اتحدنا مع الجميع ببكاء لم اشهد له شبيه بحياتي كلها لان هذا لايحصل الا هناك وان شاء الله لن يحصل ثانية

ادخلت الفتيات الى جزء خلفي صغير من الموضىء بعد أن ملأت دماؤهم قلوبنا وتساعد النساء على ايقاف النزيف الذي لطخ المكان (كم انتم سفلة وتريدون تأكيد همجيتكم ايها التتر) بعدها بدأت بعض النساء بخلع ثيابهم الداخلية واعطاءها الى الفتيات، وياله من اضطراب في روحي الى الان هذا المشهد من تقاسم الالم المريع كسر الطمأنينة الى الابد.. وكنا نحن الاطفال بحالة ذهول لم نستطيع فهم مايجري امامنا، ماذا تفعل النساء، يخلعن ثيابهن الداخلية ليستروا عوراتنا المستباحة, تكاتفت النساء حتى استطاعوا ان يوقفوا النزيف المريع, في البداية طلبت بعض النساء المساعدة من الجنود ولكنهم رفضوا وضحكوا واستهزأوا … سباب لاينتهي وكأنهم لم تلدهم امهات بل نبتوا من الحجارة ولم يروا الله ورأو فقط التجبر, وحاولت النساء احتضان الفتيات الجريحات للتخفيف من هلعهن ويالها من ساعات طويلة، بعدها وصلت ادمغتنا الى الرضى لتهدأ نفوسنا التعبة كنوع من غريزة البقاء وبدأنا نحن الاطفال الاقتراب من الفتيات الجريحات بنوع من المداعبة للتخفيف من الامهم واتذكر كيف كانت وجوههم وكأنهن خرجن من حظيرة ذئاب مسعورة

روت الفتيات ماحصل معهم الى النساء

رفضت الفتيات الاستجابة لمطالب الذئاب فانهالوا عليهم كما اكثر مما تعتقدون.. ضرب وسباب وهمجية واقتلاع ثياب وفض بكارة بطرق غير انسانية لم يكن الجنس دافعهم فقط, انهم مرضى بسادية لانهاية لها لقد ادخلوا كل شي الى روح الفتيات، يالهم من وحوش تسلطت على رقابنا

وفي هذا المكان روت احد النساء عن جدتها الطاعنة بالسن وهي لاتستطيع المشي ارسلتهم الى البحث عن الخلاص علهم ينجو من حمام الدم الاسود, وبقيت هي وكرسيها الغير مدولب الذي تستند اليه …

كانو في حي العصيدا بعد قصف الحي بالمدفعية ودخول القتلة اليه اعدموا مباشرة اكوام من الرجال مثلوا باجسادهم الطاهرة ابشع تمثيل ولم يتدردوا بقتل الاطفال واعتقلوا ما بقي حيا, واقسم انني اعرف رجلا كان طفلا هناك, ورأيته وتكلمت معه منذ اسابيع وروى لي كيف كانت جثث اخواله وعند خروجهم لم يستطيعو المغادرة الا من فوق الجثث ودعوا جثث احبابهم بهذه الطريقة، ياله من موت وحملوه هذا الالم الى اليوم وقال لي انا خائف من بطشهم ولا استطيع ان اقاوم خوفي لقد اغتصبوا الطمأنية الى الابد وسألني بكل سذاجة هل سننتصر عليهم وضحكت وانا الذي لم اضحك منذ شهور واكدت انتصارنا فابتسم مترددا ولكني اعلم انه سيكون هناك يحتفل بنصرنا القريب

قررت الجدة (ام ابراهيم) اخراج الجميع من الحي وهذا الجميع هم فقط من الاطفال والنساء وتنقلت معهم بكرسيها (العكاز)تحت الاطلاق من رصاص ومدفعية وقناصة الى ان وصلوا صعودا الى بداية حي الحاضر, تعبت ام ابراهيم ولم تعد تستطيع السير اكثر وبقيت هناك في بيت احدى عماتي وزوجها واطلقتهم الى المجهول كسرب من السنونو بين الوحوش ولم تملك ام ابراهيم الا خيارها هذا, وكانت تعي الجدة ان القتلة ليس بشر وعلى الجميع الهروب من حمام الدم الذي يهددهم كل ثانية… تكلمت النساء عن ام ابراهيم كيف صرخت بهم واطلقتهم الى الخلاص

في الموضىء قرأت الفاتحة من الجميع على روحها الطاهرة اعتقادا منهم انها ستباد من الهمجية التي قررت مواجهتها, ولكن ام ابراهيم كانت اقوى من المدافع, وحيث ان عمتي وزوجها قرروا الهروب من القتل الذي يتصاعد اكثر فاكثر ومرة اخرى, الجدة تطلقهم نحو الخلاص وتبقى في بيتهم وتعلن المواجهة

بقيت ام ابراهيم في بيت عمتي والابواب مشرعة لمدة اسبوع والجنود تدخل المنزل وتخرج وتسرق وتكسر وام ابراهيم تصرخ في وجوهم ويخافون منها وهي تغتال شجاعتهم الزائفة لم تنحني امام القتلة بل دافعت عن المنزل بكل اباء كنوع من رمزية المقاومة المحقة عن كامل المدينة المستباحة.صمودها اذلهم واذل قادتهم حتى بدأ يستجيبون لما تمليه عليهم ليكتشفو انها المنتصر هي وكرسيها الغير مدولب, فقرروا اخراجا امام المنزل وتفجير منازل الحي كاملة ولتشاهد كم هم ليسو بشر,بقيت على كرسي في وسط الشارع المدمى ,ثلاثة ايام وام ابراهيم في هذا الخلاء لم تناور ولم تفاوض اعلنت وجودها هناك كنخلة وسارية وراية وعلم, ولم تطلب هي المساعدة من احد ولكن كان من بين الجنود من تبنى شموخها وتحول الى مجيب الى كل ماتحتاجه جسديا واقسمت ام ابراهيم انها لم تخاف منهم ولم تراهم فكانو اصغر من مدى بصرها وتقول ام ابراهيم ان الله ارسل لها كل ماتحتاجه, بقيت لتخبرهم اننا سنعود ونقتص ونكرم شهداءنا ونرفع لكل منهم شاهدة ولن نتركهم بقبرهم الجماعي ولم ولن تنتصروا كما تعتقدون ..وارسل الله بعض الباحثين عن الخلاص فحملوها وهي التي ابت ان تحمل خرجت ام ابراهيم الى القرى مع التائهين.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.