الصفحة الرئيسية / نصوص / شهادات / خالد الخاني - حماة ١٩٨٢ / تاريخ النظام الإجرامي – شهادة للفنان خالد الخاني 6 / 8

تاريخ النظام الإجرامي – شهادة للفنان خالد الخاني 6 / 8

خالد الخاني
خالد الخاني

لا اعرف ماذا اصابني اليوم…؟ عشت لاروي لكم طفولتي بمجزرة حماه 1982

قبل شهادتي هذه كتبت الاجزاء الاولى تحت القلق والخوف من كل شيء وارسالها لكم لفضح جرائم النظام الفاسد .. والله كانت الحروف تتخلى عني ولغتي لا تسعفني واحيانا ابحث عن حرف اوجملة واحاول كتابتها فتفر هاربة خوفا من هذا النظام المستبد لاتعرفون كم جملة حذفت خوفا على اشخاص وكم مرة ترددت وكم مرة تلعثمت وكم مرة بكيت حتى السقوط واقسم ان بكائي لا يتوقف ابد وانا اكتب وايضا الذي كتب اخرجته قصرا من ذاكرتي وهو يحاول الهروب الى زوايا دماغي.
على باب المستشفى الوطني هناك بقيت جثة ابي مرمية بين الجثث وروت لي الممرضة التي رافقته عندما كان مديرا للمستشفى.
( بعد استجابة النظام لبيان مثقفي حماه وعينوه ايضا نقيب للاطباء وهو لم يكن بعثيا كنوع من البدء بتحقيق المطالب والخضوع الى الحوار واختياره هو وشخصيات من المجتمع المدني، وهذه هي المكيدة التي يستخدمها النظام اليوم، لنحذره ولنقرأه جيدا)
الجرحى ينقلون الى المستشفى بتسارع لاينخفض, وهذه الحادثة حصلت عند وصول جريح الى الاسعاف والذي جلبوه كانوا يعتقدون ما نعتقد جميعا ادخل وهو يصرخ من الامه حتى سمع كل من بالمستشفى بصوته الذي لم يكن وحيدا ولكنه طغى على جميع الاصوات ,وصوته هذا كان اشارة للجنود الذين رابطوا بالمستشفى للاجهاز على الجرحى لتأكيد ابادتنا, والم الجرحى يتناسب طردا ليس مع الاستجابة لتخفيف الامهم، بل مع شدة العذاب الذي ينتظرهم، التي روت: ان الجنود بموجة من الجنون وممرضة تبنت القتل معهم، شقوا صدره وهو يصرخ ويتلوى واخرجوا قلبه ودماؤه غطت وجوههم وبزاتهم العسكرية حتى اسكتوه كما اعتقدوا الى الان والله انا صوته والمه وجسده حتى نكرمه كما يليق به كبشر، قتلوه وهم يحتفلون وهم ينتصرون على الانسانية، وهذه حربهم الدائمة واقسمت الراوية ان الممرضة المتحدة معهم اخرجت كبده واخذت تلوكه وتبصقه وهي تعتقد ان الله تغيب عن المكان، والراوية لهذه القصة لسنوات وهي صامتة وبقيت هناك بنفس المكان ونفس الحضور والمشهد يتكرر عبر ذاكرتها ولم تتغيب عن هذا المشهد الى الان واخبرتنا ايضا انهم لم يسألوه عن اسمه وهم لايتبعون الاسماء ولايعرفون لغة الاطفال ولا لغة النساء او بالاحرى لايعرفون لغتنا ابدا بل يعرفون لغة القتل فقط.
في المستشفى شوهت الاجساد وغيرو من ملامحه وكانوا يرسمون بالدماء ويكتبون عباراتهم على الجدران كلا الاه الا الوطن ولا رسول الا البعث، شوهوا الاجساد وقطعوا الرؤوس ليعبروا عن خوفهم من عقولنا (او ربما حتى يبقى الناس في دائرة الشك ولا يستطيعوا تأكيد موت مفقوديهم او وجودهم مع المعتقلين في سجنون العصابة وهذه صورة عن ايلامنا النفسي الذي عملو على ان يكون مزمنا حتى الان، فللآن مازال الشك والرغبة ان يعود من ذهب الى هناك) وكانهم يجردون الانسان على لوحة طغى عليها اللون الاحمر ويضعون من اسود قلوبهم ليوازنو فنونهم اللا بشرية, كان هذا رسما ونحتا وسينما ومسرح وربما شعر وموسيقى وتركو لي الرواية وتفوقوا على جميع من عمل فنا معاصرنا وقتها ولكن نسوا انهم يقتلون الانسان فهذه فنون القتل عند التتر, ايضا قاموا بجميع تجاربهم العلمية كادخال الماء اوالكحول الى الدم ورقبوا ما ينتج عن ذلك.. يالهم من علماء سبقوا جميع العصور ثقبوا الاذان وقطعوا الاوردة والاعضاء التناسلية، قطعوا الاصابع والاذنين وقلعوا العيون وادخلاو بنادقهم من جميع الفتحات واستخدموا السيانيد ونتائجه علينا (ساروي عن السيانيد لاحقا) كانوا يريدون من الله ان يخلقنا بلاعيون او اذان او حتى قلب، لا بل كانوا يردون الا يخلقنا ابدا واذا كان الجريح من النساء كانوا اكثر سعادة لانهم يضيفون فنون اخرى يغتصبون امراة وهي تموت او وهي تنزف اويريحونها وبعدها تغتصب واذا كانت تملك حليا تنتزع منها بابشع الطرق كقص اليدين وشرم الاذنين والى اكثر من ذلك.
في تلك المنطقة من العالم وداخل مدينتي كانوا قد عمموا على المشافي – كما يحصل اليوم – الا تستقبل الا الجنود ولم يستجيب احد لطلبهم، فدمروا جميع المشافي الخاصة ولم تسلم من همجيتهم أي واحدة,وسرقواودمروا جميع الصيدليات ..
بعد ايلامكم باخباري لكم ماحصل هناك في المستشفى الذي لم يتبقى منه الا اسمه الذي لايليق بهكذا مكان او انه اجبر على ذلك بعد دخول التتر.
ساروي شهادتي عن حميدو وربما جميع الناجين من حي البارودية يعرفون حميدو هذا الشاب المجذوب الذي فاق القتلة عقلنا وانسانية وحميدو كان هناك عندما بدأت مجرزة حماه ولن يتردد ابدا باعلان نفسه كمدافع عن مدينته المستباحة فحميدو يعرفه كل اهل الحي لانه كان كالساعة اذا اشرقت الشمس اطلق سرب حمامه نحو السماء ويتعالى صوت حميدو حتى يوقظ الجميع واذا غابت الشمس كان يودعها بصوته العالي وهو ينادي سربه ولم يتوقف عن اعلانه بين بيوت حي البارودية وهو جزء من ذاك العالم فحميدو موجود في البارودية حتى لو تغيب الجميع، في بداية الهجوم الليلي على مدينتنا لا اعرف اين كان هو ولكن في الصباح والرصاص يطلق من كل الجهات ونحن في بيتنا صعد حميدو الى سطحه منزله واطلق صوته وسرب حمامه الى السماء في حينها اختلط صوته مع صوت الرصاص ولم يكن صوتهم المعتاد كان اشبه بصوتنا جميعا، طيور حميدو تلف السماء فوق منزله وتحاول الهبوط خوفا من الرصاص وتاه بعضها بعيدا ولكن حميدو لم يته ابدا فكان يتحدى الرصاص وامه تناديه ولايسمع الا صوته ولاندري كيف كان يشعر حميدو واعتقد انه هو لا يدري بشعوره ولكنه وقف مع مدينته المستباحة وربما اطلق سربه علهم يفهمون رسالته ياله من انسان تعاظم بيننا وحرر ذاته وواجه القتلة وبقيت انا كل هذا الوقت حتى ارقى لما كان حميدو واخبركم عنه وكيف كان نضاله الذي لايشبه الا نضاله، رأى الجنود حمامات حميدو فبدأوا يقنصونها واحداة بعد الاخرى وحميدو يصرخ حتى السماء ويشير لنا ان التتر لايترددون في أي شيء استمر بالصراخ ولم يستسلم ولم يسمح لطيوره بالهبوط على سطح منزله, بعض الطيور حطت على بعض المنازل وقتل الباقون لم يصمت حميدو وصعد الى المكان الذي تحط به الطيور، يبحث ويصرح ويواجه ولم ينحني ولم يختبىء كما فعلنا جميعا ولم يستسلم لصوت الرصاص فهذا الرصاص خارج مدارات مسامعه حتى قنص حميدو من الجنود الذي لايقرؤن المشاعر ولايفهمون ماذا تعني الانسانية ولايحبذونها لانها لمخلوقات مختلفة .
صمت حميدو على سطح بيته ولكنه لم يصمت بذاكرتي وكانه اليوم يطلق الى روحي من جديد ماكان يشعر به في ذلك الفضاء والله جميعنا اليوم نشبه حميدو الذي اطلق اسلحته الانسانية ليوقف القتل وتنبىء قبل الجميع انهم سيبدون الطيور فذهب مع طيوره الى ما اراد وتركني احمل ما أراده لكم جميعا فاين الان انت ياحميدو لتعلنها حرية على طريقتك الخالدة في ذاكرة من تبقى من اهل البارودية وفي وقتها علم جميع السكان ان حميدو يطير مع حماماته نحو السماء وكان من اوائل الشهداء في حيينا …
ومن الاشياء التي حصلت هناك كان بين البيوت اسطبلات للخيول فجميع العوائل كان لديها خيولها التي كانت عرضا وشرفا ولم تصنف يوما عندنا مع الحيوانات فكانت تحمل بعض اسمائنا وفي هذا الوصف هناك ما لا ينتهي عن هذه العلاقة التي تربطها معها.
بعد هروبنا الكبير من الحي بقي من بقي ورحل الاكثرية والذين بقوا رووا لنا ماحصل بخيولنا هناك، وبعض الرجال قبل ان يغادور الحي اطلقوا خيولهم كما فعل حميدو وربما حميدو كان يريد من طيوره الابتعاد عن المكان او كان يحارب الاسلحة بطيوره الجميلة. اطلقت الكثير من الخيول الاصيلة وربما هذه هي المرة الوحيدة منذ مئات السنين نتصرف بهذ الشكل الذي لايمثل دواخلنا ومشاعرنا اتجاهها.
بقيت خيول كثيرة في الاصطبلات وفتح لها مخازن الشعير ربما لتسطيع الاستمرار بالحياة وكان البعض يعتقد انهم سيعودن ليروها ثانية ولم يعرفوا ان التتر لا يتركون شيئا ورائهم ولم يتركوا ارثنا الحضاري ولم يتركوا لنا عادات اجدادنا وكانو يعرفون رمزية الخيول لدينا …
لم يقتلوها فهم يعلمون بقيمتها الحضارية ويعلمون ايضا ان فقدانها يؤلمنا الى النهاية فهذا الذي يسعون اليه لم يروي جميع الناجين من اهل المدينة انهم رأوا بين جثثنا خيولا فقد حملها التتر الى مكان لم تكن به يوما واقسم اننا بعد انتهاء المجزرة وعودة الباقين الى المدينة بدأ اهل مدينتي يبحثون عن خيولهم كما يبحثون عن ابناءهم. فاذا ذكر لاحد انه شوهده خيلا جميلا في أي محافظة يذهبون ليتحققوا منها علها تكون خيولنا الجميلة, وعلمنا اننا لم نراها يوما ولم نجد اجابة أي ذهبت حتى خرج علينا الفارس الذهبي وقتها علم اهل حماه أين ذهبت خيولنا ولم يكن ابوه يوما فارسنا ولم يكن جده كذلك. لقد تعلم الفروسية بخيولنا فهي تعلم من يمتطيها الاخلاق ايضا ولكن ليس الجميع يفهم لغتها والله واقسم انها لاتليق الا بنا… لم تكن يوما فارسا ياباسل وما هكذا تكون الفروسية.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.