عساكر سوريين، مجند سوري، لبنان، Syrian Soldiers

صباحو وطن

هشام الأحمد
2002 عاليه _ لبنان
بمناسبة عيد الجيش 
 
 

صباح الأحد في طريقنا إلى صَيدا من عاليه.
جورج – (أب سطام) كما أناديه – في المقعد الذي إلى جانبي ومحمد البيروتي (أبو معروف) كما اختار أن نناديه في المقعد الخلفي وقد تولى كسر العرق البلدي لطريقنا الطويل
على مشارف “عَيتاتْ“. يقف جندي لبناني ينتظر تكسي، ببزته العسكرية المموهة وعلى رأسه “البيريه” الخضراء المائلة وأكمام الجاكيت المُشمَرة عن ساعديه وعلى كتفه حقيبة ظهر، كتلك التي كنت أحملها أيام الجامعة والتي احتاجتني لأن أدخر مبلغاً من المال، وينتعل حذاء “رينجر” أسود لامع كنت أقصد سوق الأحد “للبالي” خص نص لأشتريه.

أمرني (أب سطام) بالتوقف حيث يقف هذا المجند.
أنزل زجاج نافذته وقال للمجند :
_ صباحو وطنْ … وين رايح؟
_ على “شِملان

ترجل جورج من السيارة وطلب من المجند الصعود مكانه، وأمرني بأن أغير طريقي إلى “شملان” – بحرفية لهجة الأمر-

صباحو يا وطن، كان الكف البارد على وجهي والكافي لقذفي إلى لجّة تساؤلات محمومة. طوال الطريق لم أنبس ببنت شفة إلى أن سألني محمد بعد أن أوصلنا المجند إلى مكانه المقصود بعينه.
_ أبو شوكت وين سارح؟.
_ ليك إنت وهو قبل ما احكي وين صرت في شغلة لازم قولها تحسباً يعني.
هذي الديموقراطية تبعكن علاك مصدي، (ضِحكو عليكن فيها) بعد الطائف وقَسَّموها على مقاسات أمراء الحرب هم أنفسهن متقاسمين مجلس النواب وحصص النفوذ في الدولة. والأخوية والصداقة اللي هلق بينك وبين جورج، فتيشة وحدة بتخربها بكل لبنان.
جورج: طيب أبو ديباجة شو مناسبة هالحكي هلق؟
– يارجل كلمة “صباحو وطن” التي خاطبت فيها المجند وطلعتو مكانك وانت مابتعرفه، فقط لأنه لابس عسكري كانت كإنها كف على وجهي ولهجة الأمر الـ ماكنت رح تستخدمها معي لو كان خيك اللي واقف وكنت حتطلب باستحياء مني أن أوصله، رجعتني لسوريا وللجيش ولعساكر مطار “الثعلة”.
الثعلة اللي استيقظوا أهلها مرة مافي ولا (بربيش) بحاكورة لإن سرقوهن العساكر.
العساكر اللي كانو ممنوعين يمروا في وسط الضيعة، وبياكلو قتلة اذا مروا من كثر ماهني زعران وقلال أدب.
لك هذا العسكري اللي طلعتو محلك راشش عطر غطى على ريحة العرق اللي عم يكسرو أبو معروف. لك عندنا العسكري امو بتقرف منو كثر ما مبهدلينو ومجوعينو ومعاقبينو بالقطعة تبعو.
أخوك اللي شفتو من كم يوم بسوق عاليه راكب باثفاندر موديل السنة منين جابها؟
– من تعويض نهاية الخدمة
– ياسيدي والدي خدم مساعد أول بالجيش يعني متل أخوك / معاون أول / اللي طلع عالتقاعد بعد 25 سنة وأخذ تعويض قريب السبعين ألف دولار.
والدي خدم 35 سنة، في 20 سنة منهم جبهة، يعني تُحسب السنة بسنة ونص يعني والدي بيطلع خادم 45 سنة بتعرف قديش طلع تعويض نهاية الخدمة؟
طلع 35 ألف ليرة سورية يعني 700 دولار. انتهى الحديث هنا ولم نعد نتكلم طوال الطريق وبقيتُ عالقاً عند تلك التصبيحة الغريبة على الوطن..

صباحو وطن..
هذا الربط العجيب الذي لم أكن لألحظه يوماً بين مؤسسة ومايجب أن تعنيه وبين وطن وقضية أصبحا مكملة لضرورات القائد الخالد في سوريا.
صباحو وطن
هذا المجند الذي ستعيدني الذاكرة إليه في شباط 2005 بعد مقتل الحريري عندما تقدمت فتاة من المتظاهرين إلى حاجز الجيش وطبعت قبلة على خد العسكري الواقف وأعطته وردة والذي ماكان منه إلا أن فتح الحاجز أمام جموع المتظاهرين
أقول الآن لحسين هرموش و لأبو فرات ولمصطفى شدود ولما تبقى من أمل ….
صباحو وطن

__________________
البيريه:  قبعة –  جزء من الزي العسكري
البالي: الملابس المستعملة – سوق الملابس المستعملة
بربيش: خرطوم المياه – خرطوم

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.