الصفحة الرئيسية / نصوص / نثريات / أسفار البغضاء الصُفر
أسفار محمد صالح العويد

أسفار البغضاء الصُفر

محمد صالح عويد

 

١.
سفر القافلةِ الصفراءَ

لم يتسنى لأحدٍ ان يسمعَ دبيبَ قافلتكم
تسري قُبيلَ الفجرِ
لم يلحظَ الليل هفّةَ الأنفاسِ
تُرفرِفُ
بقي نادِماً ،مُتحسِّراً
لم يلوِح لكم
كانَ مِثلكُم مخطّفَ الروحِ
والشهيقُ بالدمعِ ، لا يُفارِقهُ
ربطوهُ كأضُحيةً معلوفةً ، بصمتِ الديارِ
بصمتِ الأوغادِ
وتركوه مصلوباً على وجوهِنا
شيطاناً من ورقٍ على النوافذِ
عاهرةً :
تتصيدُ أرذالنا على عتباتِ
المقابرِ بعد صلاةِ الجنازة !!
على أعتابِ متاجرِ الأغنياءِ
مُحنطينَ على بوابة فرعٍ امني
على بواباتِ المساجدِ مُغادرينَ
يذرفونَ الدموعَ ويمسحونها عندَ وصولِهم لمنابرِ الخماراتِ
وينسونَ الخطبةِ بعد احتساءِ
القدحِ الأول !!!
يتنبأونَ :
حين تتقدمُ غانيةً وترسمُ الوطنَ
على سروالها الداخلي
يُنزلونهُ بولهٍ وعشقٍ
يقبلونهُ !!! يرفعونهُ على الرؤوسِ
يشُمّونَ رائحة الحقولِ ، تنتشي الارواحُ
ثُم يغرقونَ
يغرقونَ انتماءاً بالوطنِ المرسومِ
قُبيلَ الفجرِ يرمي بهم النادل في منفى رصيف
ومن هُناكَ يُعلنونَ :
نضالاً ابدياً لتحريرِ الوطنِ !!
ووضعِ التِكّة في أعناقهم كقيدٍ أبديٍ بلا فِكاك

 

٢.
سفر الصمت 

لم يتسنَ لأحدِ الآراميينَ
في مرمريتا
في الكفرون ، مشتى عازار ، المشتاية
وبقيةِ الضياِعِ الحالِمة
أن يلحظ أدخنةَ القذائف تُغطي حُصنَ
صلاح الدين
ذاكَ الذي حررهم من ربقةِ محاكم التفتيش
لم يفطنوا بأن هؤلاءَ إخوتِهم يقتلون لأجل فجرِ الجميع
وأن رصاصَ الطاغية لن يُفرِّقَ غداً ، ولن يتأخرَ
عن جِباهِم ، لن يغيب
وأن الوطنَ يحيا من وريدٍ
لا يعنيهِ دينُ الدمِ
ولا مذهبَ الدموعِ
ولن يتفقدَ طائفةَ الثكالى
أبانا يبحث في التأبينِ عن نسبِ الضحايا
ويتهم الاعراب
والوطنُ يبحثُ عن دِقّةِ انتسابِ ابناءهِ لهُ
عن توصيفٍ لذبحهِ
عن سيرةٍ للجنازةِ ، وهو مرميٌ بِلا نعشٍ
بلا بواكي نائِحاتٍ ، يشقُقْنَ الجيوبِ
بِلا عزاء
الم تقفوا على الشُرفاتِ اليومَ !!!؟؟؟؟؟
ألم تلحظوا عزرائيل مُثقلاً بالأرواحِ يستنجِدُ
بإسرافيلَ أ ن ينفُخَ بالبوقِ
وينهي مهزلةَ الجحود
جتى عزرائيل ملَّ أصقاعَ سوريا
يريدُ إجازةَ اصطيافٍ بالكاريبي
ببالي
بسيلان
يُريدُ حمل ضحيةٍ كاملةٍ غيرَ مُمزّقة
عافت نفسهُ حملَ الاشلاء
ونسيانِ بعضها ، وعناءَ البحثِ
فهُناكَ يتفقدون السوريين !!!!!!
اين بقاياهُم !!
اين العيونَ
اينَ الثغورَ ، اينَ النحور والأعناقَ !!!؟
لماذا هذا الكفِّ فاقداً أغصانهُ
لن يراكُم الطاغية وانتم تبكونهم باحترام
لن يلتفِتَ الله لكم وانتم تخذلون
لن يعرف خطوكُم تُراب الوطنِ من أخوتِكُم
تتبرأون !!
لن يراكُم
لن يراكُم في ساعتِكُم الاخيرة
حتى الضمير

 

٣.
سِفرُ الطاعون

أكتب معكم
أكتبُ لكُم
أتفأجأُ مع عزرائيل هذه المرة :
ففي موقِعةَ الفجر الأصفرِ البليد
وجدَ الأجسادَ كاملةً هذهِ المرةَ
بِلا نُقصانٍ !!!!
أريدُ أن اموت بينكُم ، مُرتعِشاً
من هولِ القنوط
مُرتعِباً من زفيرِ الحسرةِ ، من شهيقِ
ذُلّةِ الأعرابِ المُسلمين
والوجوهِ الصفراءَ في ماخورِ العُهرِ الدولي
ترتعِدُ فرائِصَ اشرعتي
والصاري ، والدفّةَ ،والمجاديف
تتكسرُ أجنحةَ نوارِسَ الكلماتِ
فأقِف على نصلِ حروفي !!!
أنزِلِقُ
لا يجرحني
أموت بِلا نزفٍ ، بلا عيونٍ ترتعِشُ من رؤيةِ السكين
سوى الثغورِ الناعمةِ
كوردةٍ جوري شامية
تُرغي بأمواجِ الزبدِ
المسحور
والشهدُ غائِبٌ في جوفِ الليلِ
من رحيقِ المنون
عيناي الى اعلى
عيناكُم إلى اللهِ
تبتُّلٌ وانتظارِ وصول
لأ أعرف منكُم أحداً
والسماءُ تتلهفُ لاحتضانِ ركبٍ مجهول
لا ترجونَ نجاةً
لا ترتقبونَ غُفرانَ بكاءِكُم ، وارتشافِ
النسيمِ أصفراً ، يمحي لهفِكُم للفجرِ
للخُبزِ من عامٍ حُرِمتُمُوه
ألا تعرفون ؟؟
هذا الرحيلُ لا يعرف الفناءَ لكم
لنا
فالرجالُ على حافةِ المثوى واقفون
لا يفتحونَ لكم أكفاناً ولا للنعشِ
حاملون
لن يدخُل أحد في رحمِ الارضِ سوى الطاهرون
ودروبَ السماء يرتادها الحالِمون
هم يحملون في المُحيا علاماتِ الرضا
مُضمّخةً بعطركُم ، بارتيادِ دربِ القافلةِ
لحاقاً بكم
ينتظرون

 

٤.
سفر القُبح

وجهُ الضْبعِ أصفر !!
أقبحُ من وجهي قليلاً
لا تنخدعوا فيَ
هربتُ للمنافي الباردةِ ، وتركتُكم وحيدين
أمامَ الفحيحِ
أفعى صفراءَ نزلت بأصفهان
تحمِلُ سُمّاً من أيوانِ كسرى
ذخرتهُ من حقدِ الدهور
يحمِلُ رائحةَ السبيِ البابليِ
رائحةَ سالومي
ترقصُ عاريةً
ليُذبحَ بصحنٍ ذهبيٍ
رأسُ المعمدان

كُنتُ في البقاءِ ضِدّ عقلي
كُنتُ في الرحيلِ ضِدّ قلبي
والله لم يترك لنا خيار
كانت الدوامةُ تبتلعُ فينا
اي اختيار
لم يكُن سوى ضجيجِ احلامنا تلكزنا
تئِزُّ في النفوس
تنتظِرُ انفجار
وجهانِ يتقلّبانِ في البلادِ
وجهُ الضبعِ
ووجوهِنا اقلُّ قباحةً بصمتِنا
واحياناً أكثرُ
ونحنُ نتلونُ بين ليلٍ ونهار
نتغنّى بما لا يجوز
ونرفسُ في الليلِ أحلامنا كي لا تسوقنا
للنحرِ
بحذاءِ الرُعاعِ
ببولِ الضبعِ يسفحهُ على الوجوهِ
يلجُمُنا رُعباً ، نتبعهُ للغار
هأنذا اعترِفُ
/ لستُ بحلالِ التِلاعِ مخافةً /
ولكن هذهِ الدنيا
لها إقبالٌ
و إدبار

عن محمد صالح عويد

محمد صالح عويد
محمد صالح عويد 1964 - سوري - مقيم كلاجئ في المانيا لديه ديوان شعري / مخطوط قيد المراجعة والتدقيق وكذلك مجموعة نصوص وقصص قصيرة.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.