نساء سوريات، Syrian Women

والحرب…

نجاة عبد الصمد
خاص بدحنون..

1.
تقول الفتاة: يا حسرتي على المناديل التي شربتْ دمعي، على مراسيل الهوى، يا حسرتي على كل حبلٍ رميته في دربه قبل الحرب، ولم يلتفت صوبي.
كان يكفيني أن تومئ الحرب، ويروح إليها، ويعود منها أقلّ وسامةً…
سيكفيني الآن مغناطيسٌ أدسّه بين خرزات خاتمي حين سأصافح يده الضعيفة. مغناطيسٌ صغيرٌ يُغوي أسياخَ الحديد المزروعة في ظهره؛ ظهره المكسور بالحرب. تقول الفتاة..

2.
النساء الوحيدات كنّ في الصبح على الطريق. خرجن من مآوي الليل إلى نور المدينة خفيفاتٍ، مسرعاتٍ، متآلفات… يتزينن بأطفالٍ ناعسين على أكتافهن، وبمناديل رأسٍ كالحة، وبالفيروز (الفالصو) على العبايات السود الطويلة السائرة في مشوار الصباح إلى حرم الكنيسة لحضن سلال الإغاثة بالأيادي الفارغة من إخوة الأطفال الناعسين.

3.
في فيض الوقت تنقع قصاصة الجريدة. في القصاصة خبر قديمٌ عن بنك نطافٍ لرجالٍ كاملين يستعدون للذهاب إلى الحرب. بإصبعٍ خدران تحرك المنقوع في مائه الفاتر. بيدٍ موتورةٍ ترفع الكأس. تزدرد الماء العكر. تنطر انسيابه المرّ إلى جوفها الخاوي. بيدها الأخرى تتحسس بطنها ينتفخ بجنينٍ سيولد في مدينة الأرامل بعد انتهاء الحرب التي لم يعد من رجالها الكاملين أحد.

4.
والحرب أيضاً أن تستعير الأرملة الشابة ثوباً أسود، وتستدين خمسين ليرة تسافر بها من قريتها إلى المدينة على أمل تحصيل تعويضات زوجها ـ شهيدِ جيش الدفاع الوطني الذي قتله أخوة الوطن حين كان ذاهباً لقتلهم على أمل إطعام صغاره.

5.
من ثقل شوقي للحياة كنت أريد له أن يدخّر من أمه رشفة أوكسجين إضافية تعين رئتيه الضعيفتين على المواء. فقط من ثقل شوقي للحياة كنت أُبطئ في قطع سرّة هذا الوليد الذي قدم أمس إلى عالمنا الأصفر

عن نجاة عبد الصمد

نجاة عبد الصمد
طبيبة جراحة وكاتبة. صدر لها في الترجمة عن الروسية: مذكرات طبيب شاب (قصص). الشباب جسد وروح (كتاب طاولة). بلاد المنافي (رواية). غورنيكات سورية (مرويات).

تعليق واحد

  1. والحرب أيضاً أن تصادف الوحش الذي فيك كل يوم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.