الصفحة الرئيسية / تجريب / نميريات – ٨

نميريات – ٨

مصعب النميري..

 

كان جالسا على مصطبة الاسمنت الرمادية القاسية .
حين تابع ظلال الدور التي تنحسر في الضحى , كالجند المتعبين .

و قال فيما قال , بعد أن نتش الزهرة الصفراء من جذرها :
أنا أولى من عبّاد الشمس بالشمس الكاوية
اذا أردت أن يجفّ الدمعُ في مقلتيّ هاتين

……

خلّفتهم , و حرستهم برمش العين .
و نذرت لكل شبر يشبون فيه .
و كنت معهم على طول الطريق ..
من الماء الفاتر إلى مكعبات الثلج

……

البحصة التي انحشرت تحت الجرة و سندتها , أرادت أن تستظل من الشمس , لا أكثر .

….

عكّار ..
رائحة الطيّون ، التي اندفعت من شبابيك السيارة بعد الكوع القاسي ، فانقطع الحديث الذي كان محتدما .
حصانٌ يستحم في الطريق ، غب الماء من الخرطوم ، و جلد الهواء بذيله ، فعرف الرذاذ طريقه إلى الأعلى .
البيوت التي تتكئ على شفير الجبل ، كالعصافير التي حطت على كتف فارس شارد .
و الحمم التي أخطأت طريقها إلى حمص ، و اجتازت الشريط الحدودي دون تأشيرة

……

كل الذين يسلمون عليك من بعيد ..
ترتفع أيديهم إلى الأعلى
و تهوي كالسياط على جنوب ميّتة .

….

من إحدى السموات السبع ،المرصوصة إلى بعضها ..
تطلّ المدن المنسية .
و تبدو،فيما تبدو عليه ، اذا رأيت نورها من الأعلى .
كسبائك الذهب التي وقعت من جعبة عرّاف هارب.
و الطائرة..
سندان المعدن المحشوّ باللحم البشري .
تتجه نحو الغرب ..
و تتبع الشمس المتعبة من نزوحها الطويل ..
كأنما تريد منعها من الدخول إلى خدرها

…..

الرّسلُ الأمناء ..
بين أرباب الحرب
فصّلوا خِرجاً للمكاتيب على ظهور البغال .
و زمّوه جيدا .
سألوا عن الدور بضراعة الأشقياء لحظة المنيّة .
و ذاب اللحم في أطرافهم من الطرق على الأبواب التي لم تفتح .
قبل أن يناموا على عتباتها

….

يا أيها القمر الشاحب , كالصفيح المسبوك …
رأيناك
– و نحن ندلي رؤوسنا في فوهة البئر –
على صفحة الماء الرجراج ..
تلقي نظرة على الذين أنقذتهم من عتمة التيه ..
و تسحبُ نفسك ..

…..

في الحارة الثانية على يمين الساقية النحيلة .
علّيةٌ زرقاء .
بناها علي عسالي , بكلتا يديه , و فؤاده .
و كان مشمّرا عن ساقيه , في بركة التبن , قبل خمسين عاما , أو يزيد .
خلف الباب , كراكيبٌ , و أوان من النحاس , و حسيسُ أفاعٍ , و أشباحٌ تتكوّر في الزوايا .
قال الحفيد للحفيد :
” لو أضرمت شواظا من النار , في هذا العتم , دون أن تبسمل , لاستنفر أهل الخفاء , و ذُقت مسّا ”
فردّ , بأن نظر نظرة باردة , و قدح الثقاب , دون أن يكترث , فبان الغبار على الحديد الصدء .
و أطل وجه من البرواز في فجوة الجدار الأزرق .
و انسحبت عجائز العنكبوت من فورها .

……

من باب الأمانة ..
الأمانةُ , التي تعني أن لا تفشلوا , أو تخافوا .
أقوم بتحريف الوصايا ..
و أقول لكم , حين يندفعُ الزبّد الأبيض في الليلة الضّحياء..
أن البحر الهائج قد خرّ صريعا .

عن مصعب النميري

مصعب النميري
كاتب سوري مقيم باسطنبول، حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال. له نصوص شعرية غير منشورة بعد.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.