الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / مسيرة وطن ضرير
حسكو حسكو، hasko Hasko

مسيرة وطن ضرير

محمد صالح عويد

 

في الليل
يُلاحقني الموت إلى قبري!
ضيفاً لم أعتد إشاحةَ وجهي عن ضيفٍ
أرمي على مائِدةِ كفني:
نِثارَ حُزني
قلماً مكسوراً
اوراقاً، وكلمات ثكلى
في ارضِ غريبة
يتلفتُّ!
يترقبَ العابرين فوقَ خناجرِ
الرحيلِ
والغامَ الفجرِ البعيدِ!

 

*

في عيدِ الذبائحِ الوطني
يرفعُ أبناءَ طورِ عابدين
نيرانَ الصليبِ
ويهزجون بفرحٍ موءودٍ في
سهولِ أمهم سوريا!
حتى سهل بني عامِرْ
أرضي مُتفّحِمة
سنابلي يبتلعها نهمِ أفواهِ الحياعِ
تنتظِرُ محطةَ العشاء الربّاني الاخير
هذهِ المرة كان على رأسِ المائدةِ
نخاسونَ
والمسيحُ وحيداً ، يُلقي موعظةَ السماء
على اطفالِ الشامِ وحمصَ
في أطلالِ مقبرة!

 

*

من بحيرةٍ سوداءَ يفورُ بُركان
ذاكرتي
لم اجد سوى مراثي دروبي الغائرة، تحتَ راية الهزيمة
وجيراني هجروني!
تركوا لي أحجارَ أثافيهِمْ
ولا نارَ تطبخُ لي قصيدة
سوى رمادَهُم
ومروداً
تتكحلُ بهِ أمي!

 

*

على مائدةِ الأسفِ يولِمونَ لي
ذبيحةً
هي أخي
أو ابن مدينتي
ويحتالون عليَّ بخيمةٍ ملونة كقوسِ قزح!
لكنها لا تمطِرُ سوى
دمعاً مِدراراً!
ويهديني الملكُ العربي هاتفاً نقالاً لأطمئِنَّ
على أهلِ دياري
وهُم هُناك لا سقفَ ولا نورَ ولا ماء
سوى أطلالاً لخولةِ ، بِبُرقةِ ثَهْمَدِ
تلوحُ الشامُ وهَناً
كباقي الوشمِ
بيدٍ مبتورةٍ
على قارعةِ النصرِ المُؤجّلِ

 

*

كُنتُ وحيداً
لا يحتفِلُ بي أحد!
ولا يهتَّمُ بي
سوى قبر ، بقي فارغاً
لم يتسنى للغُزاةِ إكمالِ ضحاياهُم
فصار نصيبي
ستُبدي لكَ اللحودُ ما كانَ مِنها فارِغاً
ويُلحِدُكَ من لا يرثي ، ولا عيناً لهُ
عليكَ
تدمعُ!

 

*

دعني أُغني لآخر مرة
فصوتي صامِتُ، مخفيٌ
كي لا يوقِظَ الموتى ويُثيرَ فيهم رغبة الرقصِ
نافذتي صارت مسرحاً لانتظاراتي العاقِر
وترقبِ العائدين
من وليمةِ النهرِ ، مُحتفِلاً!
قبلَ عامين ونيف وجدَ ضفتيهِ الضائعتينِ!
وطردَ ضيوفه بالأمسِ حينَ أضاعَ:
ضفتيهِ
ومجراهُ
وأسماكهُ
وحتى الشُجيراتِ الظليلةَ
أسندتُ ظهري للريحِ
ولم اسقط!

 

*

نحترق فِداءاً لأمّةٍ اعتادت دعارةَ الأزقةِ
وما شبِعَتْ مِن سِفادِ الأغرابِ
ينهبنا الأوغادُ
وهُم يُصفِقونَ!
يأمرونَ نسائِهم بحلِّ التِكّةِ
وانتظارِ أوانِهم
أمدُّ يدي غارقاً في لُجّةِ القهرِ
يهيلونَ علي رملاً من صحراءِ
ويُطفئونَ لهيبي
بنيرانِ النخوةِ العربيةِ
على المنابرِ
وفي الصباح
اجدُهم نائمين في حُضنِ أعدائي، سُكارى
من مؤتمرِ الليلةِ الماضيةِ
في ماخور!

 

*

نحرتُ أشعاري أمامَ أول المذابحِ
على حجرٍ
على ضفّةِ حِمصٍ تغرقُ في بحيرةِ الغدرِ والدمِ
ومدائِن حوران تمشي كالممسوسِ
تُكلِّمُ نفسها
وتقرأُ نشيدَ الحياةِ بلا وهنِ
يقرأني اناسَ رحلوا
ويُفشونَ اسراري لعابري الليل
بين المقابرِ
أبحثُ عن راهبةٍ
أقرأُ طُهرها
تقرأُ ضعفي وأسايَ
تمنحني روحها
وتستولي على روحي
وينعتِقُ الجسدُ من رغباتهِ
وتخبئني حين بردٍ وصلاةٍ
في محرابِ زكريا
لا تُكلِّمَ الناس ثلاثاً
وتصفعُ بصلواتها عتوَ الصامتينَ يلوذونَ
يكمنونَ خلف الطاغيةِ
يقتلونا!
ولا تختبئُ بسوادِ الثيابِ

 

*

عندَ الفجرِ
تُكلّمني!
تكسِرُ نذورها
تهِزُّ جذعها النقيَ
فيسّاقطُ عليَ رُطباً جنيا!
ويتحول الثوبُ كروماً
وبساتينَ وردٍ
وغابةً بلا نهرِ
ابقى انزِفُ وجعاً هُناكَ
حتى يجنُّ الليل
فيصنعُ نهراً من خيولِ دمعي
أعودُ غداً إلى الشامُ جدولاً عميقاً
بلا ضفتين!
سوى قلمي
وضفةً اخرى، دفتر
وترقدُ هانئةً
اروحُ وأجئُ، حارساً
وعلى كتفي اليُمنى
قلمي بين اصابعي محشّواً

 

*

يقرعونَ طبولاً مَمزّقةً للحربِ!
يهتفِونَ لصوتِ الصليلِ ساطِعاً
من آلةِ تسجيلٍ حمقاءَ
بلا فعلِ
يستعرضونَ غريزةَ الذئبِ فينا
ونحنُ كقطيعِ بِدائيٍ، نتقافزُ حول النارِ
حولَ أطلالِ الوطنِ
وحرائقهِ
وليمةً أخيرةً
للذُبابِ
وأهلي توجوا رأسي
بأكليلٍ من الشوكِ

 

*

يترادفُ الساسة المُراهقينَ
يوارونَ الوطنِ في القبرِ
وعلى راسِهِم يقفُ يزيد ليأخذ البيعةَ
بالسيفِ!
يخبطون رؤوسِهم بجدرانِ القبرِ
ويستسلمونَ لسحابةٍ من جرادٍ
أكلت مغانِمَهُم
وارضي
وفي الليلِ يُرافقونَ الجلادِ إلى حانةِ
المُقامرينَ ، ويتبادلونَ انخابَ دخولهِ
معاهدةِ الحظرِ الإستراتيجيِ
ويستلمُ صكّ شرعيتهِ علناً
وفي الصباحِ يضعُ في إستِهم
صواريخَ جديدة!

 

*

أضعُ يدي اليُمنى في جيبي
ومن يُسرايَ أنفثُ دُخانَ غليوني
,امضي إلى حانةِ الفُقراءِ
ارفعُ نخب الشُهداءَ لأنهم ارتاحوا
وأبكي للأحياءِ
لأنهُم يزدادونَ
موتاً

 

*

تحايلتُ على ظِلّي
وأخذتُ يدهُ لادُلَّهُ على قبري!
فحمل معهُ ثروتي:
دفاتراً عتيقة
وذكرياتَ من فرحِ الطفولةِ
ولم يذكُر في صحيفتي غدرَ امرأةٍ
أو فلولَ انكساراتي
او قدميَ تنقلتا أجملَ عهِدهما
حافيتانِ!

 

*

سأعود إليكَ:
ومعي خموراً مُهرّبة
بلا شعرٍ
بلا ثيابَ انيقة
بلا أكاذيبَ اخدعُ بِها البُسطاءَ بلُغتي المستوردةَ
الغريبة
سنكونُ جنودكَ
نحنُ البسطاءَ لا تعرِفُنا
سوى احجارِ دروبِكَ
ومساكبِ حقولِكَ
والسواقي الناحِلاتِ
والصفصافِ ، والزيتونِ
يحمِلُني نهراً
واحمُلكَ معي
لا أخافُ نوايا الليلِ القادمِ
فعيونُ الفُقراءِ
مصابيحيِ
مصابيحكَ
وأكتبُ على وجهِ الفجرِ رسائلي
لجنودِكَ المجهولينَ بلا هوية
بلا أسلاب ذهبوا
لراهبتي ترفعُ صلواتها نهراً من طهرٍ
مِنهُ تغِرفُ ، تُعمّدني!

 

*

/ سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً
ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـزَوِّدِ
وَيَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَـهُ
بَتَـاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِـدِ /

 

 

الصورة: مقطع من تشكيل لحسكو حسكو

عن محمد صالح عويد

محمد صالح عويد
محمد صالح عويد 1964 - سوري - مقيم كلاجئ في المانيا لديه ديوان شعري / مخطوط قيد المراجعة والتدقيق وكذلك مجموعة نصوص وقصص قصيرة.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.