معبر الموت في حلب، المعبر الذي قسم المدينة إلى جزأين

معبر الموت

ريما سويدان…

 

أن تَتحول حياتكَ إلى ورقةِ يانصيب، قابلة للربح أو الخسارة. ربح وخسارة الحياة ذاتها. لشيءٌ ُمرعب.
هو بستان القصر الذي عليك أن تَجتازه لتنحرف إلى اليمين، متجاوزاً الباصين الشهيرين المركبين فوق بعضهما، والمُشكلين سَاتر حماية لدرء طلقات القناص. إنها المنطقة الفاصلة بين الحياةِ والموت. لا يعني هذا أنك بمأمن عن الموت، فقط فرص نجاتك أعلى.

“مليون شخص أو أكثر يعتمد على هذا المعبر” .. هذا ما يقوله صديقي حليم.
حليم ناشط إعلامي من منطقة الجَميلية (الواقعة تحت سيطرة النظام)، طالب إدارة أعمال سنة ثانية إضُطر للإنقطاع عن الجامعة. لم ير أهله منذ الشهر الأول من هذه السنة.

“هل تعلمين أنني أستطيع أن أرى منطقة بيت أهلي من هنا ولكنني لا أستطيع العبور. فأنا مطلوب”.

مازال الناس يَعبرون بشكل طبيعي بين المحرر والمحتل؟
– طبعاً، الناس مُعرضة للجوع إن لم تَعبر لشراء حاجياتها من المناطق المحررة.

هناك صورة تم تداولها على صفحات الفيس بووك عن خندق تم حفره لتسهيل عبور الناس!!!
– لم أر هذه الصورة. أعتقد أنك تتحدثين عن ذاك النقق الذي تم حفره من قبل الكتائب من الجهة اليسارية للمعبر، هو فقط لها ولا يصلح للعبور. قد يكون استخدم مرة أو اثنتين من قبل الناس لست متأكداً.

ألا يمكن حفر مِثله لعبور الناس تفادياً للقناص.
– مستحيل. المنطقة محاصرة من قبل القناصة، فهي مكشوفة من ثلاث جهات:
الى اليسار منطقة الإذاعة، ومن ثم جامع الرئيس ، ليأتي بالوسط القصر البلدي، وكلها مناطق مرتفعة.

إذاً هو هذا الممر الصغير من على يمين الساتر، أعبره فأصبح بالمحتل؟
– ريما، لا تقتربي أكثر إنها ليست لعبة.

أعلم ، لكن دعني أستغل عدم واقعيّتي من وجود القناص، فأنا لم أُشكل بعد علاقة كره وحقد مع الموت. لم أكن أمشي ليسقط لي فجأة صديق أو صديقة، فأَحتار بذلك السؤال الجدلي الوجودي “هل أركض هرباً أم أسعفهم؟”. لم أَضع طفلاً على يدي لأَعبر به محاولةً لّفَه بكامل جسدي كي لا تتمكن منه رصاصة ، لم يتسلَّ قناص بجسدي فيحدد يدي اليُمنى هدفاً، لتليها قدمي اليسرى … دعني أقترب.

“يَسقط يومياً بمعدل اثنين إلى ثلاثة قتلى” .. هذا ما أخبرني به حازم: (صيدلاني يعمل في النقطة الطبية ببستان القصر.)

– ماهي الطريقة لتفادي القناصة؟
عليكِ معرفة مواعيدهم.

– عفواً؟ !!!!
الثامنة صباحاً والثالثة بعد الظهر (أوقات الدوام الرسمي) أكثر الأوقات أماناً، ليعود ويَنشط القناصة بعد الساعة الخامسة. هناك أيضاً الساعة الثانية عشرَ ظهراً، على المرء تفادي المرور حيث يكونون في ذروة نشاطهم تقريباً.

قال جملته بكل هدوء ومشى. شَردت، خَدر بطيء بدأ يتسرب إلى ذهني .. يا إله السموات، نحمل جدول مواعيد موتنا في جيوبنا كجدول مواعيد الباص!! على المحطات نقف نُودع صديقة أو نَستقبل أهلاً عائدين من مكانٍ ما من هذا الوطن. نُسلّم أطفالنا لمعلمات الباص لنعود ونحتضنهم في المساء. بقلبٍ يخفقُ بفرح طفولي نستقبل حبيباً، أليس لهذه الأسباب وجدت المحطات؟ محطتك الوحيدة هنا … الموت.

عرفت الآن لماذا كان حليم يَستعجلني وأنا أمشي بتثاقل.

لن أحفظ وجوهكم، ولا أعرف أسماءكم، لكنني أردت أن أستنشقَ حضوركم تحت جلدي. أن أمتص نبض حياةِ أقدامكم الهازمة للموت.
… لا يمكن أن نسمح بأن نصبح أرقاماً.

 

 

عن ريما سويدان

ريما سويدان
صبية سورية مغادرة الوطن من أكثر من عشر سنوات

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.