حمص، 12-12-2013, Homs, Syria

في حلقي طين

هديل ممدوح

 

بالأمسِ فقط شعرتُ أنّني لازلتُ على قيدِ الحياة، وأنّ رأسي الّذي ينفصلُ عن جسدي مع كلّ نحرةِ سكّين وشحذِ سيفٍ وأخذٍ بالثأر، لازالَ مكانهُ!
نفقّدتُ البارحة جميع أعضائي الّتي خسرتها، فوجدتُها في مكانها، ما من أصابعَ مبتورة كما ظننت، ولا سيقان مسحوقة، ولا أذرع قصيرة!
بلى.. تلك فقط كانت قصيرة لا زالت ذراعي قصيرة وما بيدي حيلة!

الصفحاتُ الزرقاء تتحوّلُ إلى لونٍ أبيض، وأحمر، والقلوبُ صفراء وبعضها أسود! والابتسامات صفراء، والأجسادُ مزرقّة من الجوعِ والبردِ والتعذيب، والعيونُ زجاجية والأرواحُ شفّافة وثقيلة ولم تعد تطيقها السّماء! أين أخضَرنا يا قوس قزح؟ ماذا فعلتَ بأخضرنا يا الله؟

أوقفوا موتنا السوريّ ليستطيعَ الهواء نقلَ أرواحنا الباردة الثقيلة إلى سابع سماء، نحنُ نستحقّ أعلى السموات!!

أوقفوا موتنا السوريّ لنموت كما يليقُ بالفرسان، أيّها الرب من يصمّ آذانهُ أسوةً بالأخر، أنت أم العالم!؟
ولماذا جعلتني أمس أشعرُ أنّني حيّةٌ جدّاً؟ ألا تعلمُ أنّها تهمةٌ أن تكون سوريّاً حيّاً؟ حسناً أنت جعلتها كذلك.. وجعلتَ مصطفى يفكّرُ بطريقةٍ لإنقاذنا نحنُ السوريّين من الانقراض!

ودفعَ ذراعهُ ثمناً لذلك، ثمناً لتجربته وقذائفك! وأخطاء العالم الأخلاقيّة

إنّها تمطر الآن، وبانتظار الثلج، الكلّ يدسّ رأسهُ بين أجملِ الذكريات لينسى مآسيه، الكلّ يبحثُ عن جيبٍ صغيرة ليخبّئ كفّيه، حرصاً على إبقاء أصابعه كاملة فإن نجت من قذيفةٍ طائشة قد لا تنجو من شتاءٍ طائشٍ هو الآخر بانتظار الثلج، الأختُ توفّر بما حصلوا عليه من وقود، فلا تشعلُ المدفأة وهي وحيدةٌ في المنزل، ربّما ظنّت بذلك أنها تخون أخوتها أو أنها استهلكت حصّتهم بالدفء بأنانيّة!

هذه الأخت لديها قلبٌ يدفء مدينة لكنّهُ الآن لا يكفي ليضخّ ما يكفي من الدماءِ لتستطيع التنفّس بين قذيفةٍ وأخرى، بين ضربة رعد وومضة برق!

بانتظار الثلج، أبدأ الصباح بصورة فاطمة، تنظرُ إلينا بنظرةٍلن يفهمها سواك، يا من تبتلينا لأنّنا أحبّ الأقوام إليك، تحملُ “سطل” الأكل تلك هي حصّتها من وجبة اليوم الّتي تأخذها من المأوى، ذلك المأوى الّذي يحاولُ ما استطاع أن يحوّل الحبّ إلى وقود

بالأمس حكينا عن أليكسا، وشتمناها مطوّلاً، ما الّذي أتى بك إلى بلاد الحروب؟ وهل حصلتِ على تأشيرةٍ يا أليكسا لتأتي وتنكشي أعشاش الدفء؟ من أغراكِ بالقدوم في أحلك الأوقات ونحنُ نلعنُ كلّ رفاقِك ونغلقُ شبابيكنا ونوصدُ الأبواب ونشحذ البطانيات والأغطية لنقف في وجوههم؟!

ومن الأحقّ بالمرور من بلادنا اليوم؟ أليكسا أم قوافل المعونات؟
كيف أيّها الله تستطيع أن ترسم الحكايا رأساً على عقب؟!

في الحلق طين، كذلك الطين العالق على أحذية أطفال المخيّمات والّذي أشحت بنظرك عنه هذا الصباح، وأنا أيضاً أشحتُ نظري، فأنا ذراعي قصيرة وما بيدي حيلة.

في الحلق طين، لن ألفظهُ
أردتُ أن أكتب كلّ ما كتبت والّذي يمتّ للواقع بكلّ أنواع الصلات، لألفظهُ خارج رأسي وأنام بسلام!

 

 

الصورة: ثلوج العاصفة اليكسا، حمص 

عن هديل ممدوح

هديل ممدوح
مدوِّنة ومترجمة إلى اللغة الإنكليزية

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.