الصفحة الرئيسية / نصوص / قصة / صباحٌ ريفي .. يا عِيشيهْ
نص لنادر ابن اجسر

صباحٌ ريفي .. يا عِيشيهْ

نادر إبن الجسر

 

الشمسُ في طريقها الى الشروق والبردُ مازال يغطي المكان بصمت. اصواتُ العصافير التي تستعدُ لجمع ارزاقها بدأت بصيحاتٍ خجولةٍ متقطعة و”فَطّوم” الطاعنةُ في السن التي قد رسم الزمن على وجهها حكايات الضيعة البعيدة، ترتدي ثوباً رقيقاً ومليئاً بالزركشات والالوان الريفية المفعمةٌ بالنشاط، وتبدأ عملية دقِ الباب المسكين بعصا صغيرة تبقى معها اينما ذهبت، انه باب صديقتها الوحيدة ” عِيشيهْ “.

اريد ان انام يصرخ احد شباب الجيران والذي كان يعمل على صفحات الانترنت طوال الليل يقول له صديقه الاخر من تحت البطانيات الثلاث اسكت فهي لن تستسلم حتى يُفتح الباب وما هي الا دقائق وسيفتح لنا بابُ الفرج وتنتهي معاناتنا .

يا “عيشيه” .. وتستمر فطوم بطرق الباب بقوة اكبر لتهز ازهار الياسمينة التي وقعت بقربها قذيفةٌ هاون قبل يومين وقتلت ابن الجيران الاصغر زياد عندما كان يحاول ان يجمع بعض الياسمين ليضعها على قبر ابيه الذي مات تحت التعذيب في سجون نظام الاسد.

يا “عيشيه” .. ويعلو صوت فطوم ويملأ الحي باكمله، يستيقظ اطفال صغار لا يعرفون فطوم الا قبل ايام قليلة فهم نازحون من ضوضاء المدينة المجاورة التي كانت تتعرض للقصف اليومي بطائرات الميغ، لم يفهموا حتى الان معنى الصباح الريفي المشترك.

يا عيشيه .. وفطوم ما زالت تواصل في صيحاتها المترقبة صوت عيشيه وتقرع الباب اكثر فاكثر فلا مكان تذهب اليه فطوم سوى بيت عيشه الصديقة القديمة التي لم تنزح الى تركيا كغيرها، ينظر فراس مع مجموعة من اصحابه وهم يشعلون بعض الحطب من بعيد الى فطوم ويتمنى ان يرزقها الله الحياة المديدة لتقدم لهم التنبيه اليومي بايقاظ عيشة وهم يحرسون الحي ببعض البنادق القديمة من كيد اللصوص.

يا عيشيه.. ولا ينقطع صوت فطوم او طرقها الشديد للباب. الجيران اتعبهم ذاك الروتين اليومي المتشابه. يُخرج احد الجيران رأسه من الشباك ويصرخ
“ولك ليش ما بتنامي عندا بالبيت وبتخلصينا انت وياها انتو ما في غيركن! “. يريد النوم فهو لا يريد ان يتأخر عن الذهاب الى عمله في المكتب الأغاثي بعد ساعتين.

لا تلتفت فطوم الى صراخ الجار الغاضب فهي ايضاً تمتلك سمعاً خفيفاً لاتستطيع به حتى سماع صوت عيشيه المتواصل من الداخل وهي تصرخ من الدقات الاولى على الباب

( يا .. فطوم .. الباب مفتوح .. ادخلي )

عن نادر إبن الجسر

نادر إبن الجسر
مواليد مدينة جسر الشغور, عابر سبيل. أعمل في المجالين الاعلامي والاغاثي وأطمح لان اكون خادم لهذا البلد المتعب ما استطعت.

تعليق واحد

  1. هي الحياة رغم كل شيئ..
    أدامك الله ذخرا للوطن يا فطوم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.