الصفحة الرئيسية / زوايا / بالزاوية - فادي عزام / السوريون وجبهة النصرة: حلم الخلاص وكارثة الإخلاص لأيمن الظواهري
صورة رمزية

السوريون وجبهة النصرة: حلم الخلاص وكارثة الإخلاص لأيمن الظواهري

 فادي عزّام

 

من باب الإنصاف، وبعد سنتين من رصد وجود جبهة النصرة في سوريا يمكننا وصف المنتمين إليها بالشجاعة النادرة والانضباط. فهم أول المتقدمين في المعركة وآخر المنسحبين بعد المعركة، ونادراً ما سمع عنهم أنهم يجمعون الغنائم.

إنهم يحظون بحسن الحضور والكلمة الطيبة في الأماكن التي يتواجدون فيها، ويتفهمون طبيعة المجتمع السوري بالحدود المعقولة، ويظهرون دائماً بالمظهر الهادئ المتزن أثناء المشاركة في أعمال الإغاثة وتوزيع الحاجيات في المناطق التي يعملون بها.

لم يعرف عنهم أنهم قاموا بالتشبيح، ويسارعون لنفي التجاوزات وإدانتها، ويتبرأون ممن يستخدم شعارهم أو إسم الجبهة لتبرير وتمرير تجاوزته.

معظم من قابلهم من الصحفيين والناشطين الأجانب ومن ناشطي وشخصيات المعارضة السورية الوطنية خرج بانطباع جيد عنهم مخالف لما يروج وينسب إليهم من التجاوزات الحادّة التي ظهرت في بعض مناطق الثورة.

إنهم يقدمون المخطئ منهم “للمحاكم الشرعية”، ففي ظل الفراغ الأمني والإداري تصبح المحاكم بأي صورة من الصور مطلب الحياة اليومية للناس، ولا يتورعون عن إنزال بعض العقوبات حتى بعناصرهم إن ارتكبوا بعض التجاوزات.

وستبقى حقائق أعمالهم والكثير مما يقدمونه غير واضح المعالم نظرا لضعف إعلامهم، وعدم تمتعهم بقدرات مهنية جيدة لتسويق أنفسهم وعزوفهم عن الإعلام بشكل عام.

وسيكون من الجيد الانتقال إلى حديث الجولاني ومحاولة تفكيكه لنتعرف أكثر على حقيقة هذا التنظيم، ومنهجه وماذا يريد فعلا؟ فهي من الفرص النادرة التي يظهر بها على العلن بعد طول تكهنات.

أولا يمكن تسجيل ما يلي:

1- حديث الجولاني يأتي ضمن عدة سياقات واستحقاقات ملحة. فهو يواجِه بصفته ممثلاً لتنظيم القاعدة بنسخته السورية المعدلة برتوش بسيط عن النسخة العالمية، وممثلاً لأحد أكثر الفصائل المسلحة غموضا على أرض المعركة السورية.

2- أوضح الجولاني أن التنظيم بدأ بسبعة أشخاص من خبراء القتال في العراق، من دون أن يضيف أن النظام مده بقرار أمني هو الأخطر بأطلاق سراح مجموعة من القيادات الجهادية في صيدنايا، 214 قيادي وجهادي، التحق معظمهم بالحركات الجهادية على الأرض. وكان معظمهم محتجزين ليس لأنهم يعملون في سوريا، بل كانوا جميعا من التنظيمات السلفية الجهادية التي تقاتل في العراق.

3- ربط الجولاني نفسه بأحد أكبر المتهمين العالميين بتهمة الإرهاب (أيمن الظواهري) أو ما سماه المذيع تيسير علوني (الدكتور أيمن الظواهري)، وهنا يجب الملاحظة إن وضع بعض الصفات الطيبة الإنسانية، المدنية، لشخصيات تؤمن بالعنف كحل وحيد لترويج لأفكارها، سمة من سمات كل مروجي العنف- الشيخ أسامة بن لادن، الدكتور أيمن الظواهري، الدكتور بشار الأسد، سماحة السيد حسن…إلخ.. فيكون ربط التنظيم بحبل سري او علني برحم العنف العالمي، ويكون الجولاني قد حسم أمره بأفغنة سورية. لأنه من المستحيل سورنة تنظيم القاعدة.

4- إصرار الجولاني على أن وجود الجبهة طبيعي في المجتمع السوري وهم يسبحون بما سماه (البحر السني) الذي يؤمن لهم القبول والتعاطف كمجاهدين سنة، واحدة من أدبيات الجهاد التي يعمل هذا التنظيم على ترسيخها

5- يريد الجولاني أن يقول عن الصراع الشيعي السني بأنه الأولوية الآن، قبل الصراع اليهودي (الصهيوني) السني. وهنا يتناغم الجولاني، سواء أراد ذلك أم لم يرد، مع التصنيف الغربي الصهيوني، لينزل من سلم أولويات الجهاديين كعدو، إلى مرتبة العدو المستقبلي غير الخطير ووجوده الآن بمنتهى الأهمية لكل الأطراف؛ للغرب كي لا يتدخل ويوفر عليه الفاتورة السورية غير المجزية في حسابات الربح والخسارة؛ ولإسرائيل على مبدأ تروج له علنية، دع ( الأوغاد يتقاتلون فكلما أجهزوا على بعضهم وفروا علينا الكثير) وللدول العربية وفر لها وجود جاذبية الجهاد في سوريا، فرصة لتيسر أمور المتطرفين فيها، وبعثهم إلى المحرقة خارج بلدانهم، من يقضي منهم يريحهم ومن يعود يتولون أمره لاحقا.

6- بالنسبة للعلاقة بين جبهة النصرة وتنظيم داعش، وما يتناقل عن الخلاف بينهم، حاول الجولاني تخفيض منسوب الخلاف، وإحالة الصراع الجوهري  إلى التضخيم الإعلامي! لكنه بالمقلب الآخر يعطي حقيقة يعرفها الجولاني وأهل الجهاد أكثر من غيرهم، حين يتم رفض أمر ولي الأمر، يعتبر خروجاً على ولي الأمر. وأن الاصطدام والانشقاق والشقاق في أوجه، وما يظهر منه على وسائل الإعلام ليس إلا رأس جبل الجليد. والتصادم الحتمي  سيحاصل عاجلا أم أجلاً.

7- داعش ببساطة أصدق من النصرة في توصيف الأشياء وتسميتها بأسمائها وهي الأقرب لفكر ولاة الأمر في جبال تورا بورا، وكهوف العراق. أما النصرة فهي الأكثر مواربة للمركز كي تتناغم مع ما سماه الجولاني البحر السني في الشام، على أمل أن تصل إلى القوة المناسبة لتحويل ما تقوم به داعش بشكل سافر إلى شرعنة ملطفة، وأقل فجاجة.

8- والسبب برأيي أن داعش تنعم بأمان أكبر بكثير من النصرة، فهي حررت أماكن محررة سلفا، ووجدت نفسها أمام أرض مفتوحة وشعب منهك ومصادر أموال كمصادر الثروات الطبيعية والصوامع. وناضلت باستماته لتضع يدها على معابر الحدود، فبدأت بالمشروع المؤجل أسرع من اللازم، وهنا جوهر الخلاف بين الجبهة وداعش لا أكثر، أما الباقي فمجرد تفاصيل.

10- يتكلم الجولاني عن البحر السني في سوريا ولبنان والعراق، مُشهِراً ومحدداً العدو بتسميته (النصيرية والشيعة والغرب)، من دون أن يذكر، أو لعله لا يحب أن يتذكر، أن الصحوات السنية في العراق هي التي أذاقت القاعدة الويلات، وما خسرته القاعدة في حربها معهم يعادل أضعاف ما خسرته في حربها الكونية ضد أمريكا. ولا أعرف بالضبط حجم الذي خسروه أمام العدو الصهيوني الغاشم الذي ينتهك الأمة، ويهدم أولى القبلتين ويدنسها ويستبيحها!! إن عدد المقتولين من أهل الجهاد العالمي في مواجهتهم مع الكيان الصهيوني يساوي صفرا!

11- يقول الجولاني إنه مع سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية وغياب شرع الله عن هذه الأرض بدأت الحركات الإسلامية تستعد لإعادة شرع الله لهذه الأرض. وما حصل في مصر في بداية الستينيات، وما حصل في ليبيا وسوريا في بداية الثمانينيات كانت إرهاصات لما يحصل اليوم. وشاءت الأقدار أن تتجمع طاقات الجهاد في أفغانستان، وقُدّر للجولاني وربعه أن يشاركوا بالقتال في العراق منذ بداية الاحتلال الأمريكي حتى وصلوا إلى سوريا. وهنا يعترف الجولاني أن الثورة السورية كانت مستحيلة في عرفهم وفكرهم، وهي التي مهدت لهم الطريق وأعطتهم الشرعية. ولكنه أيضا يتناقض مرة أخرى بتوصيفه للمجتمع السوري. فيقول:

“لولا الثورة السورية لما كنا مهيئين لدخول الشام، فالناس بعيدين كل البعد عن فكرة حمل السلاح أو بعدين عن فكرة  قبول “المنهاج ” الذي نسير عليه نحن. وغير قابلين أن يتحملوا تبعات الاصطدام مع هذا النظام. لهذه فهذه الثورة مهدت الكثير من العوائق وسهلت لنا الطريق إلى الدخول إلى هذه الأرض المباركة. في الشهر الثامن الميلادي وكان هذا بعد بدء الثورة بخمسة أشهر وكانت أول عملياتنا. وابتدأنا في دمشق في أولى العمليات 27 -12- 2011.”

12- السؤال الذي لم يسأله علوني بعد هذه الإجابة هو؛ كيف يمكن أن تنسقوا بين بيعتكم لزعيم تنظيم القاعدة، بالولاء والقبول وبين البيعة للبلد؟ وهل تؤمنون بالكيان السوري ككيان مستقل أم أنه جزء من الأمة؟!!

المشكلة الحقيقة لدى جبهة النصرة بالمرجعية، فهو لا يستطيع الخروج على ولي أمره، وإن تجرأ وخرج سينتهي وتتم تصفيته. وحين يقول إن من شارك في القتال من خارج البلاد له القرار في أمر البلاد، فسيفتح الباب واسعاً لأن يجيء الظواهري نفسه للاستقرار في رحاب سوريا وطلب البيعة والباقي معروف!

13- على كلٍ إحالات الجولاني أهم من تصريحاته، فحين يرشد الناس إلى إحدى مرجعيات جبهة النصرة (الدكتور سامي العريدي) هناك سترى حقيقة فكر الجبهة أكثر مما صرح به الجولاني. وحين يحيلك الدكتور سامي العريدي إلى المرجعيات التي تقوم عليها جبهة النصرة. (الفكرية والشرعية وما سماها بالعلمية) ستعرف ما لم يقله الجولاني!

14- فالدكتور سامي العريدي قاضي ومستشار ومرجعية فكرية للجبهة وهو غير سوري، والتعرف على مرجعيات الدكتور سامي يحيل تماماً إلى تناقض جدّي مع ما حاول الجولاني بثه. في إحدى المقابلات التي شاهدتها له، ينصح الدكتور العريدي بالكتب التالية: معالم في الطريق لسيد قطب، لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة لمحمد قطب، محاضرات إياد حنيبي نصرة للشريعة. ويتابع العريدي تحديد المرجعيات الفكرية للتنظيم ولا يتوانى عن المجاهرى أن من أهم مراجعهم ” العلمية”، المذاهب الأربعة وأقوال الأئمة، كابن المبارك!! والأمام الأوزاعي، وابن تيمية، والعز بن عبد السلام. ومن مراجعهم المعاصرة حمود بن عقلة الشعيبي والشيخ عبدالله عزام ( شيخ وإمام ومرجعية ابن لادن الأولى) وكلاهما قُتلا وأصبحا من شهداء الجماعات الجهادية ومن العلمية، والعلمية هنا لا تعني علوم الفيزياء والطب والتكنولوجية إنما علم تفقيه الدين والاجتهاد به. يعتبر سامي العريدي أن مرجعهم الأول هو عمر عبد الرحمن، ومن يريد الاطلاع على المادة العلمية التي يتعاطاها الشيخ عمر عبد الرحمن عليه أن يجتهد في البحث حتى يرى من هم أهل العلم والحل والعقد!! باختصار لم يترك متطرفا في الفكر الإسلام يقديما أو محدثا إلا وتبناه كمرجع

15- استطاع الجولاني أن يطلس الأشهر الخمسة الأولى من عمر الثورة، ولا يتوقف عندها سوى أنها من باب المقدمات، لا من باب أنها الثورة الشعبية الوطنية الجامعة. كما استطاع سامي العريدي أن يختار من بين كل أسماء الجمع اسم جمعة (كلنا جبهة النصرة) كأنها بيعة وتفويض شعبي بالمبايعة.

16- حاليا بعد الاحتفالية بالقائد المولود من رحم الجهاد، سيكون على الجبهة استحقاقات كبيرة، وغالبا ستعجز عن مواجهتها. أهمها أن بسط سلطتها على الأرض التي تقف فيها سيكلفها أضعافاً مضاعفة مما لديها أو مما حاول الجولاني ترويجه. فهي قد تكون قوية عسكريا، لكنها لن تملك القدرة على البقاء طويلاً من دون أن تصطدم مع مكونات إسلامية أخرى تشعر بالتهميش أو التنحية، بالإضافة إلى الشقاق بينها وبين دولة العراق والشام.

17- أما المثل الذي أورده الجولاني عن الحاضنة الشعبية حول القرية الفقيرة التي رفضت أن يخرج عناصر الجبهة منها، فهي فعلا حصلت، نظرا لكثرة الكتائب والعناصر التشبيحية التي تدخل القرى وتستبيحها باسم الثورة، وليس لأنها تقصف من النظام، فلا الجبهة ولا غيرها استطاعت أن تمنع البراميل والصواريخ والطائرات. وهنا أيضا نجد نسيان تيسير علوني السؤال الأساسي، كيف تعتبر المناطق محررة من الأرض ولا تستطيع حمايتها من السماء؟ وما براميل حلب خلال هذه الأيام وكيف تفتك بكل منجزات التحرير في الأرض البائسة التي تسيطرون عليها سوى سؤال يومي في عهدتكم؟

أما السؤال الذي لن يستطيع الجولاني الرد عليه إن تجرأ علوني وسأله فهو:ماذا عن الناس التي ترجوكم ألا تدخلوا حياً أو شارعاً مما يجلب جحافل النظام وطائرته لهدم المدينة وإجبار أهلها على النزوح، ثم تنسحبون تكتيكيا، تاركين الناس لمصيرهم المحتوم، كما حصل منذ أسابيع في بلدات القلمون، والكلام موثق لدى الإعلامي موسى العمر.

18- وأخيرا حين يتحدث الجولاني عن تأمين قضاء وطبابة وجهاز غسل كلية، و800 طن طحين يوميا، ينسى أن المناطق المحررة أيضا محررة من أهلها الذين نزحوا خارج البلد؟ أو لجأوا إلى مناطق أكثر أمنا.. المناطق التي لم تحرر بعد!! الواقع البائس للناس يصنفه الجولاني تحت عبارة النصر صبر ساعة، دون التحديد أي ساعة بالضبط عسى أن لا تكون ألف عام مما تعدون!

هذه الحقائق ليست مهمتها نشر الإحباط فخيار التصدي لنظام بحجم النظام السوري، لن تكون تكلفته أقل من هذا ما دمتم لم تشاوروا أهل الحل والربط في الثورة الذين استمروا يخرجون للشارع عزّل من كل شيء حتى شهر ديسمبر كانون الأول وبدء العمليات النوعية للجبهة وغيرها لا يحق لكم أقحام أهل حل وربط من خارج هذا البلد !!

باعتقادي لا خيار لدى جبهة النصرة، ولا أي تنظيم مهما أوتي من شجاعة وقدرات لوجستية أو تعبوية، سوى بالحاضن الوطني، وهذا الحاضن الوطني هو الذي يعطي المشروعية لكل أنواع الشريعة وليس العكس. أن تكون جبهة النصرة هي النواة لتذوب بخصوصيتها كأقلية في البحر السوري الوطني تؤثر به بالعقل والحس السليم. وهو الامتحان الأصعب ولكنه الأجدى للجميع في القادم من الأيام الصعبة.

وإن طرحت الجبهة مشروع إيقاظ الإمة معناه أنه يجب أن تعرف أن معركتها الأولى هي مع الجهل، والأمية والخواء والخوف، بالتوازي مع معركتها مع نظام الإجرام ومحالفيه، لا أن تكون واحدة من الفصائل المتخلفة التي لم تصل إلى شيء سوى إنها تملك قضية عادلة تتعامل معها بأسوء ما لدى العقل من منطق ( قضية عادلة بأسوء المدافعين )

وليس أخيرا رأي شخصي، عزيزي الفاتح الجولاني،إني مؤمن معك أن هذا النظام راحل وتكلفة رحيله دفعها ويدفعها وسيدفعها الجميع بنسب متفاوتة في سوريا الثكلى، ولكن لا أتفق معك بأنه بمثل ما تحملونه من أفكار سننتصر.

 

عن فادي عزام

فادي عزام
كاتب سوري، صدر له "تحتانيات" نصوص. "سرمدة" رواية ترجمت الى الإنكليزية والألمانية والإيطالية

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.