Vasily Kandinsky
Vasily Kandinsky

الثامنة إلا عشرة

علي المصطفى

 

 

الساعة الآن الثامنة إلا عشرة صباحًا وفق ساعة غرفتي.

لم أنم منذ تسعة عشر ساعة، خدر في عضلة الفخذ الأيسر، حلق جاف، عينان منهكتان، حقد على علبة السجائر المستلقية بلامبالاة على طرف الطاولة البعيد، الستارة القماشية الحمراء القميئة، وصلة شاحن الهاتف القصيرة بشكل سخيف، أنين المكيف الرتيب، قائمة الأصدقاء الباهتة في الثامنة إلا عشرة صباحا.

المضحك المبكي الآن هو طغيان رائحة البيض المقلي على رائحة رماد السجائر.

زميلي -المصري- في السكن يعد البيض كل صباح، اعتدت تناوله معه يوميا، قبل ذهابه إلى عمله وقبل خلودي إلى النوم، إلى أن منعته من استخدام كاساتي الصغيرة في تقديم القهوة لضيوفه بعد إفراطهم في الشرب.

أتحمل الخدر، أزيح الغطاء الصوفي عني، وأقفز لألتقط علبة سجائري.

أشعل سيجارة و أفتح النافذة على مصراعيها.. ثم أحملها بيدي اليمنى، وبيدي اليسرى ألتقط كاسة صغيرة، أتوجه إلى المطبخ محييا زميل السكن بيدي اليسرى، أدندن “اتدلع يا كايدهم”.. و أصنع لنفسي ركوة من القهوة.

“اتفضل” أقول له وما تبقى من السيجارة يتدلى من جانب فمي الأيمن.

“شكرًا، لا بد لي من الانطلاق إلى عملي، إنها الثامنة إلا عشرة صباحا”

أعود إلى غرفتي على ساق واحدة، الألم في ساقي اليسرى لم يعد يطاق، الشورت القطني أصبح فضفاضا في الجهة اليسرى، شعر رقبتي يحكني بشدة، ألتفت إلى الساعة باضطراب: الثامنة إلا عشرة.

أتمشى في رواق مشفى مظلم، ال “شوفاجات” متناثرة هنا وهناك، ضحكة رخيصة لممرضة تعبث بهاتفها في الغرفة على اليمين، ساعة الحائط تشير إلى الثامنة إلا عشرة، رائحة المشفى مألوفة، كأنني كنت هنا من قبل!

على يمين باب الغرفة الأخيرة، المقابلة للنافذة، يجلس أبي على أحد الكراسي البلاستيكية الأربعة، بيده سبحة سوداء، واضعا كفيه على ركبتيه، ويتلفت كل قليل نحو باب الغرفة، أمي بجانبه شاردة في البلاط الأزرق النظيف، وتضع كفا فوق كف على بطنها.

أقترب منهما ببطء شديد، دون أي ألم في فخذي الأيسر.

فتح باب الغرفة، خرج منها طبيب تقليدي.. شبه أصلع، يرتدي نظارة ثخينة، ويعلق حول رقبته سماعة:

“البقاء لله”

ثم، وقبل أن ينبس أي منهما ببنت شفة، يلتفت نحو الممرضة قائلا: “خذي منهما كل المعلومات اللازمة، وسجلي وقت الوفاة”

“الثامنة إلا عشرة صباحًا”.

قلناها معا، إلا أن أحدًا لم يكترث لي.

الصورة: Vasily Kandinsky

عن علي مصطفى الدرزي

علي مصطفى الدرزي
شاب سوري، فقط.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.