الصفحة الرئيسية / تجريب / فارّ من العدالة
John Baldessari Beethoven's Trumpet (With Ear)

فارّ من العدالة

على بهلول

 

انا أحفظني عن ظهر قلب ولم يحدث أن أخطأت بي يوما، لكن هذه هي المرة الأولى التي أطالع فيها شوارعي كأسئلة مفاجأة في امتحان صعب..
ربما المشكلة أن وعيي لا يرن أبدا في الوقت المناسب..وهكذا خرجت من الوهم متأخرا. عيناي نصف مغمضتين ولا أرى الأشياء بوضوح أمامي فلا تزال أجزاء من الحلم عالقة بين جفوني. تنقلت بين العديد من المواقف داخلي بحثا عن قطار عمري المتوجب عليه نقلي نحو الآخرين، لكنني لم أجده.. لا بد أن هذا القطار اللعين قد فاتني هذه المرة أيضا..
البرد هنا قاتل، ملايين السنين مرت من الحياة البشرية على كوكب الأرض وأنا لم أستطع نقل حضارتهم إلى داخلي حتى الآن. لازلت أسكن الكهوف هنا ولا حامي لي من الريح التي تعصف بي سوى الثياب البالية التي أرتديها. دسست يدي في جيوبي ففوجئت بقصاصة ورقية كتب عليها: “أحدهم قتل الوقت وهو الآن فار من العدالة. لذلك نفيدك عزيزي المسافر أن جميع رحلات قطار العمر متوقفة حتى إشعار آخر”..
فجأة يتحول كل شيء إلى هلام لا معنى له. الفوضى تعميني. أنا الآن في العدم..
ألجأ إلى براءتي سريعا، براءتي هذه مكان مريح جدا أقصده كلما اشتدت علي الصعاب..
أنا لم أحب الجغرافية يوما وكنت أنام في معظم دروسها لكنني لست أحمقا إلى هذه الدرجة. ما الذي أتى بصحراء الربع الخالي إلى هنا؟!. حتى براءتي تصحرت..
يا للهول!، ما الذي يحدث داخلي!، إن آليس لم تر من العجائب شيئا.
أركض إلى معبد الصراحة، هناك حيث سأعترف بذنوبي علني أنجو من هذا الخراب. فإذ بي أجد جميع الكهنة مقطوعي الآذان..أسألني كمحموم: “نحن في العام 2015 صحيح؟!”. أجيبني سريعا: “صحيح”. أصرخ بي: “نحن في العام 2015 هل مر يوليوس قيصر من هنا؟!”.
معبد الصراحة؟!. بآذان مقطوعة؟!. كل هذه السنين التي مرت من عمري وأنا لا أسمعني إذن.
الآن أعلم وسط هذا الزحام كيف يتسلل إلي الفراغ.. الآن أعلم ونحن ثمانية مليار بشري كيف تدركني الوحدة بكل هذه البساطة.
استيقظت على صوتي حين كنت أصرخ لأجدني في فراشي وأن كل ما مضى كان حلما. محض أوهام لا تمت للحقيقة بصلة. نهضت وغسلت وجهي. وأمام المرآة أصابتني رعدة وكأن الروح تفارق جسدي. أنا لا أملك أذنين. أنا لا أسمع الآخرين أيضا.
لن ألوم الوحيدين والفارغين والمرتدين إلى كهوفهم الداخلية بعد اليوم طالما أنني جزء من عذابهم.
فأنا قاتل الوقت والمعنى إذن. وأنا الفار من عدالتي. وأنا العدم الذي يبعدني عن الآخرين.

 

 

الصورة: John Baldessari

عن علي بهلول

علي بهلول
مواليد دمشق ١٩٩٣، طالب في كلية الحقوق بجامعة دمشق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.