الصفحة الرئيسية / تجريب / يوميات سابقة
وجه - ميسم مليشو

يوميات سابقة

هُمام كدر

 

أنا المواطن محمود الماشي، من بلاد طاولة الزهر والنجمات الساهرات على ملح الشواطئ.
هواياتي ركوب السرفيس، ورمي زملائي بـ”شحاحيط الزنوبة”، والسباحة في الـ”جواميق” الموسمية، كما أحب سماع الموسيقا الهابطة والنخ في حلقات الدبكة، حفظت جميع “العدّاويات” التي يقولونها في الملاعب والأعراس، كي أكون مستعداً لحفل وطني طارئ أو مسيرة عفوية.
لا ورائي ولا قدامي ولا معي، ليس لي جذرٌ عائليٌ واضحٌ، لا سَلف ولا خَلف، إذا لا أب ولا أم ولا إخوة. مقطوع من سَكرة.
أراسل صفحات القراء في جميع الصحف، أشرب ويسكي الشام يومياً، وأُخبئ حبات العنب الحمراء للأيام السوداء.
أُخرج من معطفي المُهترئ علبة السردين وجريدة الثورة، لا للقراءة بل لكي أحلّ كلماتها المتقاطعة.

– نقيب فنانين وعقيد في المعسكر معكوسة؟
– فرع مخابرات له اسم القضية؟

أسكن عاصمة الياسمين في غرفة بين عسكريين، الأول ميزة شخرته أنها طويلة وعميقة وحين يدخل عليها بالهارموني زميله الآخر بشخرته المتقطعة أشعر بنفسي في أوبرا عالية المستوى. لا ينقصها سوى الكستناء أمام الشُمنيه وأنا على الكرسي الهزاز.
لدي دراجة هوائية من ماركة “بالون”، أحطُّ فيها بالخرج؛ ما لذ وطاب من أسواق الحشيش والهال والخضار.
ليس لقلبي أحلام سوى بطاقة 100 وحدة، وسيل جارف من الشاي الأحمر الغامق كل يوم.
لا مانع من كنيسة مهجورة لتدخين الحمراء الطويلة المخصصة للتصدير، تلك يقولون أن أطيب التبوغ فيها.
لا أحبُّ الدين ولكن أحب الأذان وأستمع لترتيلة واحدة تضعها ست سبعينية يومياً في باب شرقي تصليها فيروز كل صباح على شرفتها.
فجأة وجدت نفسي محشوراً في علبة “طون”. منذ نحو أربع سنوات، أحاول الخروج منها دون أن أنجح، لا أعرف إذا ما كنت في البحر أو في البر.
أحرقت جميع الكتب السماوية لأتدفأ، فلم أفلح، أحرقت الرايات والشعارات وصفحات الفيسبوك وكراسات الأحزاب فلم أفلح.
لم يبقَ أمامنا سوى هذا المركب، إذا ما أحرقناه فلن ينجو مِنا أحد، ولن نرجع.

 

الصورة: ميسم مليشو
عن صفحة الفن والحرية على فيسبوك

عن همام كدر

همام كدر
صحفي من مواليد مدينة حمص 1982، درس الإعلام في جامعة دمشق، مختص بالشأن الرياضي، والتدريب الصحفي.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.