لوحة للفنّان السوري "مازن الفيل" 2015

أنسولين

جَميعُنا نُتقنُ فَنّ العُبورْ.

في تِلك المَسيرةِ القَاسِية الّتي تَبدأُ بِسباقِ المَوت الأوّل، عَليكَ أن تَغدُرَ بِملايين الشّركاء وتغتنمَ فُرصة المُصادفةِ لتنعَمَ وَحدَكَ بالحياة. حياتُكَ الكامنة تختارُ بِدءها بخطيئةِ القتل، رافعاً شِعار البقاء للأقوى، وعَابراً العَدمَ إلى الوُجود، لتستغرقَ حياتك مُجدّداً مُحاولاً تفسير سرّ العُبورْ.

خُرافةُ البقاءِ تُسيطرُ على روحك، وجَسدكَ يعبرُ نَحوَ ناصيةِ العَدمْ. تُدركُ وأنتَ تخسرُ شَعرَكَ قابليّتك للعدمِ والزّوال.  مِياهُ النّهر تتجدّد دائماً والأسنانُ اللبنيّة تُعطيك أملاً بالانتفاضِ والبَعث. كأنّك شربتَ النهر كله! خِلافاً لحدودِ الجَسد تحلمُ بالخُلود، وأنتَ مُتمدّدٌ على سريرك الطبّي، تُناجي الآخرينَ للبقاءِ بجانبك خوفاً من التَماهي مع العدم. وازرقاقُ الأطراف سيجعلك تُفضّلُ التخلّي عَنها، أنتَ من أنتجَ الوجودَ عن طريقِ اللعب، وأنتَ وحدَك تدركُ أثناء الموت قبل الأخير أن النّهر تابعَ مسارهُ خَلفكْ.

تَشيخُ دونَ رغبةٍ، بَينما تَتجدّدُ ألوانُ “التلفزيون” الزّاهية بالقُربِ منك، الأبيضُ يليقُ بك، شَعرةٌ في طريق الكَفن! يبدو أنّ “نوستالجيا” الأبيض والأسود نفّذت وعيدَ العُبور. وقرارك باقتلاعِ أسنانِك معاً مختصِراً دربَ الألم لم يَبتر عُنق الطبيعة. الآن أنت تُدرك أكثر من أيّ وقتٍ مضى حتميّة العبور، ولكنّك تجهلُ ما سيحدث في الحلقة الأخيرة من مسلسل علاء الدين.

فلسفةُ الهِند والسّعادة لا تلائمُ الموقف، والجّانُ قادرونَ على البَقاء حتّى بعد أن تتحوّلَ أجسادهم بأكملها إلى اللون الأزرق. هل كنت تُفضّل أن تَحيا في قُمقم!

ستخطو الإنسانيّة خطوة جديدة نحوَ العدم، غيرَ مكترثةٍ بزجاجةِ الأنسولين التي حُكِم عليها أن تبقى في البرّاد بجانب قالب الزّبدة الّذي سيزول بعدَ أيّام. ولن تغيّر الشّمس مَسارها، ستكتفي بالتواطؤ مع عقارب السّاعة لتجعلَ الوقتَ أبطأ.

أنتَ الآن على وشكِ العبور. الحدودُ بينَ السّماء والأرض ليسَت حُدود البَشر الوحيدة، ستمنعني الحدودُ مُجدّداً من البكاء في محفلِ الدّفن.

قصّة فرعيّة:

عندما تذوّقَت حوّاء التفّاحة المَشؤومة، استنتجت أنّها وقعت ضَحيّة البروباغاندا الإلهيّة، وحَاول أبناؤها تَقليصَ حَجمِ المأساةِ مع اختراع حبوب مَنعِ الحمل، لكنّ قصّة الخَلق تَرتقي فوقَ المُستحضرات الطبيّة.

على هامشِ العُبور:

عندما كُنت أجلس بالقرب منك وأنت صامتٌ لساعاتٍ طويلة تُتابع ما كنتُ قد سجّلته على أشرطة الفيديو، لم أكن أعرف أنك تتابع قصّصَ الآخرين لئلّا تفكّر في العُبورْ.

 

عن عمر بقبوق

عمر بقبوق
خريج نقد مسرحي من سوريا، يعمل ضمن فرقة ميّاس للعروض المسرحية التجريبية.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.