الصفحة الرئيسية / تجريب / كم انتظرتها قُبلة المطر
لقطة من فيلم American Beauty. عن يوتيوب

لقطة من فيلم لقطة من فيلم American Beauty (جمال امريكي). يوتيوب

كم انتظرتها قُبلة المطر

إصبعي يعدو على الشّاشة.هكذا، كفأرةٍ صغيرة، أركضُ على حائطٍ مستقيم وعالٍ.
أحبّ أن أعرف اسم المجرم الذي بنى أول حائط.يُقال إن أوّل البناءِ كان سدودًا لِكبحِ فيضِ الأنهار والشّلالاتِ الصّاخبة.لا يبنون سدودًا الآن، جفّت المنابع. يصبّون جام خوفهم في الحيطان، يحبّون أن يغزُوا السّماء بالإسفلت.
لا بأس، نتكيّف دائماً، صارَ لي أقدام وزغة وذيل، هكذا ألتصقُ بالجدار أكثر، هكذا أُطلّ عليكَ من سقفٍ أو ثُقبٍ ولا أسقط هكذا أغرق سريعًا ولا أحسّ بالاختناق.

على هذا الحائط الافتراضيّ تعدُو أصابعي نحوكَ.
أشقّ العالم من طرفه إلى طرفه، لا تستوقفني كُلّ أهوالِ الكون.
الحُفَرُ الصّغيرةَ التي يحفرُها الأصدقاء لأجلِ العبُور، تصيرُ بِركَ دُموعٍ موحِلة، أحومُ حولها وأركُضُ إليك.
الرُضّع الذين يلفظهم البحرُ إلى حائطي، تُقلِّبُ رائِحتُهم كياني، أقفِزُ فوقَهم بحيويّةٍ، وأركضُ إليك.
الأشباحُ المتمرّدة تسقطُ حوليَّ بوجوهٍ مُبتسِمَةٍ، وحركاتٍ دراميّةٍ جميلةٍ، حتى هذا لم يعد يستوقفني.
لا الفُرجة ولا المشاركة. شيء أكثر من الحب يدفعني للركض
..

الأحداثَ الهامّة، الذّكريات، السلفي، الحشود الغاضبة، استعراضات الذّكاء، فيروز الصّباح.
زحمةُ السّير، الإعلانات، صورُ المطارات، جُثث المدن، نشرةُ العواطف، الدّعواتُ للمجهول …
أتجاوزُ كُلَّ هذا بِخُطوةٍ واحدة واسعة وأركُضُ إليك.

أمي حولها أمّهاتٌ تنسُجنَ حبال شوقٍ بصبرٍ وحيلة.
أشقُّ صبرها وأعبُرَ هارِبَةً من صوتها، دموعها وعتبِها.
أتركها خلفي وحيدة. أهرب، وأركض إليك.
..

يستوقِفُني شُرطيّ للتثبُّتِ من اسمي، لا يُصدّق أنّ لامرأة عاديّةً اسم واحد من ثلاثِ حُروفٍ فقط.
يُفَتِشُ جيوبي، ينفض كلّى، بحثا عن البقيّة.
لا أقاوم، لا أعترض، لا أتشابكُ معه، استسلم، أنبطحُ بالكامل، أزحفُ بين رجليهِ وأركض إليك.

سيلفيا بلاث تخرج من الحائط، تمدُّ يدها لي و تَهمس ” تعي، تعي معي ”
أصرخُ في وجهِها، أخبِشها ، وأركضُ إليك.
كاميل كلوديل تتشبّثُ بقدمي .
” لا تذهبي ! رودان، رودان من فعل بي هذا، رودان منع فنّي، أنا لستُ مجنونةً، لستُ مجنونة! ”
تُسقِطني، أتصارعُ معها، أدفَعها برجلي، أُفلت منها، وأركضُ إليك.
صوتٌ بعيد:
” بسمةُ الأيام، شِفاهاً وعُيوناً، نِعمَةُ الأحلامِ … جُنوناً ”
أتوقف لثانية.
كساندرا! إنها كساندرا !! كم أحببتُها…
كم حَلمتُ أن أرحلَ مع الغجر في رِحلةٍ لا تنتهي، أرقصُ تحتَ النُجوم، أُصادِقُ الضِّباعَ وبومِ اللّيل،
أنتظرُ نَبيلاً، يُقبّلنِي تحتَ المطر، ويأخُذني بعيداً.
كم انتظرتُها قُبلةُ المطر.
لكنَّ الخيبة قتلت كُلَّ الأُمراءَ في خيالي.
وغوغل يخبِرُني ألّا أرض بعيدةً كفاية ليسكُنها الغجر.
فَسُدَ خيالي.
أودِّعُ كساندرا بِعُيونٍ مُدمعة، وأركضُ إليك.

يصلُ إصبعي إلى آخرِ الطريق، ألهث، أتنفسُ بِصُعوبة، أتكئُ على صُندوقِ البريد،
لا رسالةً منك، لا صورةً لك، لا أثر.
الحارس الإلكتروني يخبرنِي أنّك غائب ولا يمكنُنِي العُبور …

عن أمل كاميليا

أمل كاميليا
كاتبة من تونس

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.