الصفحة الرئيسية / تجريب / هي مجرّدُ رصاصةْ
غيلان الصفدي - نشرت بإذن
غيلان الصفدي، مقطع من تشكيل - الصورة عن صفة الفنان على فيسبوك

هي مجرّدُ رصاصةْ

ما يريده كان بسيطاً ، فقط شحذُ الرصاصةِ كي لا تؤلمهُ حين تخترق ما تبقى داخِلَ قَلبِهِ .

***

أُطلِقت أولُ رصاصةٍ .

ينتَظِرُ الآن استقبال الرصاصةِ الثانية بشغفْ ، يكادُ يسمعُ صوتَ شحذها اليوميّ الذي لن ينفعَ مَعَهُ بعدَ الآن .

** **

– صوتُ بُكاء الرصاصةِ الاولى مازالَ بأُذُني ، الأشياءُ جميعُها تعدو نحوي مُتَلهِفةً لترى  الثُقب الذي يمكن أن تُحدثه رصاصةً أُطلِقت من مسافةٍ قريبة .

– من المعروف أنَّ إطلاقَ رصاصةٍ على جسمٍ من مسافةٍ قريبة تُحدِثُ ضرراً هائلاً بالهدف ، يمكن أن تخترقه بسهولةٍ عمياء .

– الأشياءُ عادت أدراجها لِعدمِ إيجادِها الثقب المُنتظر .

بانتظارِ الثُقبِ الثاني .

*

الصوت مازال موجوداً ، بِنفسِ الوتيرة .

*

سَمِعنا الكثيرَ مِن القِصَص عن السفاحين ، دوماً يتمُّ وصفَهم بالدموية و انعدامِ الرحمةِ و الخلو من المشاعر أو ما يشابِهُها ، لم يُذكر مرةً عن وجودِ سفاحينَ لم يجربوا القتلَ سابقاً ، يقومونَ بإطلاق رصاصةً واحدة من مسافةٍ تكادُ تنعدم ، أحدثت ضرراً لا يُستهان ولا ينعدم .

 الدموعُ بتكوينها المالح يُمكن أن تعمل عملَ المُعقم الطبي هُنا .

*

الصوت ما زالَ مستمراً ، صوتُ بُكاءِ الرصاصةِ يعلو .

* *

– حاولتُ مِراراً الاختباءَ داخِلَكِ كشيءٍ غيرَ موجودٍ تفادياً لهذه الرصاصة .

الحلُّ الأمثلُ هنا هو الاستسلام و السقوط .

– استسلمت ، الرصاصة أصابت هدفها بِدقةٍ مُتناهية ، السقوط لم يكن موجوداً .

*

الصوتُ مازال مُستمراً .

*

الموسيقى قد تكونُ الحلَّ الوحيد لإيقاف هذا الصوت .

 المكان الخالي من الموسيقى هو مكانٌ مثيرٌ للشفقة ، كأرضٍ قاحلةٍ مأهولةٍ بأصحابِ الرصاصاتِ ليس إلّا .

لا يستمعُ للموسيقى إلّا من يريد إيصال صوتِهِ لِلسماء ، الموسيقى هي عويلُ العالِقينَ في جحيمِ الوجود .

ستقودُني للجنون في نهايةِ المطاف ، واثِقٌ من هذا الأمر .

لم تنجح خُطةُ الموسيقى .

*

الصوتُ مازالَ مُستمراً ، لم اسقط بعد .

*

اصرخ و ابحث ملولاً عن عفريتِك الخياليّ الذي قد ينتَشِلُكَ من هاويتَكَ المَحقونةُ بالوِحدةِ المجنونة المُشِّعةُ على ذاكِرتَكَ المُشوهَةَ بِكُلِّ شيءٍ جميلٍ قد يكونُ أصابَكَ بمُنتصَفِ قلبِك المأهولُ بخُرافاتِكَ و أكاذيبك .

** **

الحائطُ اصبحَ مُمتلئاً بِعباراتٍ مُلتفةٍ حولَ بعضِها البعض بِوحدةٍ لا مُتناهية ، بِمُحاولةٍ لإيجادِ حلٍ لإيقافِ هذا الصوت ، عبرَ ايجادِ ملجأً يعيد تجميعُ خلايايَّ المتشظية و المحكومةُ بالبُكاءِ للأبد .

*

الصوتُ مازالَ مُستمراً ، بوتيرتهِ نفسها .

*

صوتُ الشحذ توقف ، الرصاصةُ الثانية أُطلِقت ، اصابت هدفها بِدقة ، لم اسقط ، الدموع بدأت تأخُذُ عملها كمحلولٍ مالِحٍ مُعقم بِمحملِ الجد  .

تهانينا ، انتَ ميت .

** **

اُفضِلُ أن تُسيئوا فهميَّ على الدوام ، لئِلا تكتشفوا مدى القباحةِ الموجودة داخِلَكم .

*

لا أريدُ تخييبَ ظنكم ، كُلَّ ما ذُكِرَ هنا هو محضُ خرافاتٍ  قد لا تمتُّ للواقع بِصلة .

– قد لا .

*

الصوت مازالَ موجوداً ، صوتُ بُكاءِ الرصاصةِ يعلو .

عن حسين الماغوط

حسين الماغوط
كاتب من سوريا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.