الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / “أورلاندو، الجريمة” نقاش دحنون

“أورلاندو، الجريمة” نقاش دحنون

أورلاندو، اطلاق نار على ملهى ليلي. الصورة عن NBC

أعلنت الشرطة الأمريكية عن مقتل 50 شخصًا وإصابة 53 آخرين بهجوم نفذه مسلح على ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو التابعة لولاية فلوريدا الأحد، 12 حزيران 2016، وسرت الإشاعات أنّه عملٌ ذو طابعٍ دينيّ، فيما تمّ الكشف لاحقًا عن كون الفاعل مثليّ أيضًا وأنّه بايع تنظيم ”داعش“ كنوع من التغطية على فعله.
فتحت دحنون نقاشًا عن العلاقات المكرّسة بين الإسلام والمثلية والعنف بما لا شأن له بنتائج التحقيق الأخيرة بقدر ما هو سؤال عموميّ حرّكته جريمة مدينة أورلاندو مع العديد من التساؤلات المرافقة.

السؤال تمّ طرحه بتاريخ 13 حزيران أي بعد يوم واحد من الخبر، كالتالي:
ما رأيك في ما حصل في مدينة “أورلاند” الأميركيّة؟.
وهذا ملّخص من الأفكار الّتي ناقشها وقدّمها العديد:

– عمّار المأمون يرى أنّ ما حصل منطقي جدًا، “ضمن منطقه الدينيّ الخاص، وهو نفس المنطق الذي يحاكم القتل خارج مؤسسة الدولة التي “تحتكر” شرعيته بوصفه عقاب، و خارجها يسمى قتل، ما حدث طبيعي ومتماسك لمنفذه وللمؤمنين بمرجعيته، حيث أنّ النص الإسلاميّ واضح وصريح، والتأويلات والحذلقات حوله هي مجرد تبريرات تسمّى “الإسلام الكول” وهي ليست حديثة؛ بل تواكب كل فترة. وأي مؤسسة تمتلك نصوص الأصول كمرجعية لها، أي يكون نظام التجريم على أساس مرجعية “مقدّسة” و “قديمة بالمعنى العقائدي”، لا على أساس مدني. أي ببساطة، الإسلام هو المشكلة، النص هو المشكلة، لابد من تفكيكه، وتفكيكه يعني نزع القدسية عنه، ومنعه من حماية نفسه، وعلى نزع القدسية أن يجري بتقنيات واضحة ويتم تعلمها وتعليمها، السخرية الانتهاكية، التخييل التاريخي، إعادة الإنتاج الساخرة أو الجدية، المحاكاة، هذه كلها تقنيات لتفكيك القدسية، وهي معاصرة، محتلفة عن تلك المرتبطة بالنقد التاريخي وتحقيق النصوص، لأن الأخيرة قد تدعم القدسية وتدعم قدرة النص على الحفاظ على نفسه بوصفها تستند إلى مشروعية ما يمتلكها.

– نور دكرلي يقول أنّها بالأساس مجازر واضحة لا تحتاج رأيًا ونقاشًا، وإن كانت الأديان هي المشكلة فهذا لا يغيّر من طبيعة ”المجزرة“ حسب وصفه، أي أن المحاكمات الأخلاقية لها تطغى على تفاصيل قدسيات التعاريف أو الموروثات أو القوانين وما شابه.

– فراس أبو حمدان طرح مقاربةً هذا نصّها:
”أخشى أن يقتلني أحدهم لأني أحب مخفوق الحليب بينما لديه حساسية مفرطة تجاه مشتقاته! الأنكى أن المثلية لم تعد تعتبر اليوم خيارًا ولا هي بمرض للتخلص منه, أنا لم أختر أن أكون سويا مثلا!
فكرة نفي الآخر المختلف ستولد تبعات كثيرة, ولا بد لمن يقبل فكرة الهجوم على أشخاص لأنهم مثليون أن يتقبل بذات الوقت أن يتلقى الهجوم بسبب أنه يمنع الاختلاط في المطاعم مثلا! وهكذا“.

– تعليق محمد صالح عويد:
”نستطيع أن نجزم بأن ما يحدث من تسارع وتضارب البروبغندا الإعلامية الموجّهة عبر آليات واضحة ووبأدوات يبدو أنها رخيصة لتوجيهها وفق رؤية محصورة بخلق عدو من لون معين وهو هنا / الإسلام ، وتالياً العروبة من حيث هي حاضن وإرث لمكونات الجغرافيا المستهدفة / له غاية واحدة.
الإقتصاد والسياسة والسيطرة المافيوية الأمميّة على جغرافيا بعينها هو المحرّك الأساسي لكل ما يجري، لا شيء غير ذلك وما تلك الذرائع التي يتمّ تسويقها بطرق أقرب للسذاجة والوقاحة إلّا محاولة ذرّ الرماد بالعيون وكمحاولة لخلق أجواء مناسبة وتزويق مسرح المذابح بمسوغات وكل ذلك أولا يتم لمصادرة قرار شعوب الدول العظمى الفاعلة أولاً وأخذ تفويض على بياض لفعل ما تقرره مافيات الاقتصاد والنفط والغاز والسلاح والتكنولوجيا والإعلام، وافترض جدلاً لو كان سكان هذه الجغرافيا يدينون باليهودية لتمّ إستحضار كل تفاصيل الذبح وفقهياتها الواردة بطريقة صريحة وقاسية ووحشية بكثير من الأحيان من العهد القديم لوصم أهلها بالإرهاب اليهودي ..وهكذا.
بالعودة لما جرى في أورلاندو وللقراءة المنطقية يجب تقييم تفاصيل الوضع والصورة أولاً بأمريكا ذاتها أولا في سياقات الحملة الإنتخابية الرئاسيّة والتناحر بين الفيل والحمار وبين كلينتون وترامب، والحادثة بحد ذاتها وبعد التسريبات التي تمّت بخصوص الفاعل والظروف المحيطة فلا يمكن لنا القياس عليها بأن ما تمّ ذو خلفيّة دينية وبناءً على أسس وتوجهات دينية لأن من قام بها أصلاً ليس بداعيّة ولا بالفقيه ولا بالقائد الديني ذو مدرسة فكرية متطرفة يُشار له بالبنان فحين يقول مير صديق، والد عمر صديق متين، لشبكة “إن بي سي”: “هذا الأمر ليس له أي علاقة بالدين”، موضحًا أن ابنه أغضبته في الآونة الأخيرة مشاهدة رجلين يتبادلان القبل أمام زوجته وابنه.”
الغضب المتراكم يولد حقدًا قد يدفع الى الجريمة. هذا أمر مشترك بين أغلب القتلة.
الإرهابي هذا ليس عمله لوجه الله تعالى بحسب تصريح والده ولكنه انتصار لغضب وحقد على المثليين. بغض النظر عن كونه داعشيًا أو لا. تصريح والده أعلاه يحكي الكثير.
شباب في امريكا وأوروبا غالبا يكونون فاشلين علميًا ومهنيًا ولم ينالوا ما يظنون أنه من حقهم. بدلًا من أن يجتهدوا ويبدعوا يصيرون قنابل كراهية موقوته ضد البلاد التي أوت آبائهم وأمهاتهم وجعلتهم مواطنين محترمين. غضبهم وحقدهم يتسارعان أحيانا مع من يقنعهم أنهم يمكنهم أن يفرغوا ذلك الحقد باسم الإسلام! أو باسم أي دين أخر ودفعه قيمه الدينية كواجهة لتبرير الفعل ولنيل التعاطف وإثارة ردود الفعل وكأن الدين هو الضحية ويجب استنفار كل من هو فاشل ليتولى الدفاع عن الله والدين وتعاليم السماء ….
هذا العقوق الأخلاقي للبلاد وللقيم ورمي ولاء مُصطنع ليتم تسويغ الجريمة المرفوضة لا تنطوي تحت أي عقيدة سماوية وهي تعبير بالغ لانفصال عن الفطرة والنفس والدين والسماء .
هي نزعة نقص وعقدة دونيّة بالغة العمق وتعبير عن عجز وقصور بعدم القدرة للتمايز والمنافسة العلميّة – الحضارية – المدنية القائمة بدول الكفّار التي آوتهم ومنحتهم فرصة حياة كريمة، كما يحمل أزمة البلاد الأم ونقل فشلها ورميه بوجه الآخرين بطريقة بائسة وجاحدة وهدّامة
هذا التكبّر الأجوف والغرور المبني على أسس من رمل بأننا شعب الله المختار وابناء الدين القومي ناتج عن فقدان الثقافة الإجتماعية الناضجة في البلد الأم وانعدام أبسط قواعد المدنية القائمة على أسس إنسانية تهتم أولاً بالإنسان بغضّ النظر عن طيفه أو دينه كذلك فإن هذه الكراهية المتراكمة والمركّبة كيف نعالجها ولا نزال نعتقد أن الغربي كافر والكافر لا يستحق الحياة وطريقه المباشر الى جهنم؟ البعض لا يزال يعتقد أنه مسيطر على دين البشر وسلوكياتهم.
كلام الله واضح:
”إنّا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل“.
نحن ندفع ضريبة التعالي الذي كرسّه مشايخ وفقهاء كان همهم الأول دنيوي واستغلال بغيض للنص للوصول للسلطة أو في أضعف الأحوال تأمين متكسبات اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان والتعتيم وخنق الحرية الفكرية والبحث عمّا يبقى بالأرض وينفع الإنسان والتماهي مع سلطة الملك العضوض وتبرير كل أفعاله حتى لو تجاوز بها الله وتم تخليده وتقديسه أكثر.
التكبر على الغرب وكراهية ثقافة الغرب يكون عملًا رجوليًا لو قرر الإنسان أن يترك البلد الغربي، لأن هذه الثقافة ليست مفروضة على أحد. هذا المجرم كان بامكانه أن يذهب ويعيش في إحدى قرى أفغانستان، التي هي نفسها فيها ممارسات للمثلية الجنسية بدلًا من أن يظن نفسه ”سوبرمانًا دينيًا“ يصحح الكون كما يريد وسلاحه فيه قتل وإجرام وجلب للاحتقار له ولعقليته الشاذة.
كذلك يجب الإنتباه لنقطة مهمة وهي أن زمن الحروب والثورات وافتعال حركات تجديد فكري أو ديني مدسوسة بطريقة فجّة ما هي إلّا محاولات بائسة لوأد هذه الثورات وحرفها عن طريقها وتحطيم نتائجها وحصار تداعياتها على صعيد الخروج من قطيع الإستبداد المافيوي الأممي، ضمن هذا السياق قد يقول قائل: ولكن الثورات أصلاً تقوم لقلب جذري وتغيير كل ما هو قائم والبحث عن الأمثل. صحيح ولكن يجب عدم الإبتعاد عن صيرورة الثورة والتأني في الحكم على الحركات المشبوهة التي تحاول التلاعب بالثورة عبر شرذمتها وإبعادها عن الوصول لأهدافها والتي سوف تجرف السيطرة الاممية عن المنطقة وشعوبها كلها.
البحث في التجديد الفكري تمّ ويتم تاريخيًا في ظروف الأمن والإستقرار وتولي أولي الإختصاص والمنهجية العلمية وبحيادية تامة وفي سياق حرية الرأي والتفكير والإبداع بعيداً عن التكفير والتكفير المقابل مما يؤدي لذبح اي إمكانية إحداث ثورة ثقافية أو تطور فكري مناسب لطبيعة المرحلة وبما يناسب تطوير حياة الإنسان نحو الأفضل والأمثل وفي سعي مستمر لا يتوقف“.

فيما قدّم آخرون أيضًا آراءً تتعلّق بما يصفون أنّه ”مؤامرات“ على الإسلام ككل، كان مثالها الأوضح هو تعليق
عمر مغربي الذي نقل عن الإعلامية غادة عويس قولها:
”بعد الجنازة المهيبة للراحل محمد علي كلاي والكلام والشهادات عن دوره الانساني في الدفاع عن حقوق السود والمسلمين وفي محاربة الاضطهاد والتطرف ونشر الوعي وثقافة المسامحة واعطاء صورة ايجابية عن الاسلام، تأتي فورا عملية اورلاندو لتنقذ الفتنة وتعيد إحياءها. هل هي صدفة؟“

كما كانت مداخلة رنا عجيلي:
”إذا كانت الدوافع إسلامية، فهنا يجري الخلط بين الإسلام الموروث والإسلام كما ورد في التنزيل الحكيم، حيث لا يتشدد الثاني مثلاً في عقاب المثليين {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} (النساء 16) و”آذوهما” لا تعني اقتلوهما، والمشكلة هي أن الإسلام الذي بين أيدينا هو إسلام الحديث لا إسلام كتاب الله، نحن بحاجة لإعادة النظر في فهمنا للمبادىءالأساسية في الإسلام، ونظرته للحرية الشخصية والآخر المختلف“.

 

تعتمد دحنون احترام الآراء الواردة وتنشرها كما هي وتشكر كلّ من ساهم وشارك، وتدعوكم لإبداء آرائكم ضمن النقاشات كما ملاحظاتكم على النّشر.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.